روح الاتحاد ورهان التقدم

04:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

قبل 48 عاماً كان يرد عَرَضاً هنا وهناك اسم هذه الإمارة أو تلك، ولم تكن بعد قد استقلّت أو نشأت الإمارات العربية المتحدة، وفي وقت كان فيه العالم قد تقدم بخطى حثيثة إلى الأمام وكانت الثورة الصناعية على سبيل المثال في أوجها. وكانت كوكبة من الشقيقات العربيات قد قطعت أشواطاً مهمة في الرقي والتقدم في مشرق العالم العربي ومغربه. وكان يتردد اسم هذه الدولة الزاهرة وقتذاك، على أنه إمارات متصالحة إلى أن كان إعلان استقلال واتحاد الإمارات العربية المتحدة يوم الثاني من ديسمبر 1971، وهو ما عقد العزم عليه المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وقد تم هذا الإعلان بالفعل ونودي على حكام الإمارات الذين تداعوا إلى اللقاء فيما بينهم. ولم يمضِ سوى شهرين حتى تلاقى الحكام السبعة على إعلان اتحاد دولتهم، في صيغة فريدة لم يعهدها التاريخ العربي الحديث لا من قبل ولا من بعد، في إقامة اتحاد فيدرالي وفق نظام رئاسي دستوري. وقد أثبت هذا النظام نجاعته، إذ سرعان ما نشأ عنه دستور ومجلس وطني، ولم يستغرق الأمر سوى أيام حتى كانت دولة الإمارات عضواً في جامعة الدول العربية وفي هيئة الأمم المتحدة. وبعدئذ عضواً نشطاً في منظمة أوبك ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التجارة العالمية، وسائر المنظمات الدولية. ويشهد التاريخ أنه لم يمض عامان على استقلال الدولة واتحادها حتى كانت تلبي النداء القومي وتشارك في حرب العام 1973 إلى جانب الشقيقة مصر، وتتخذ القرارات الاقتصادية بالمقاطعة لدعم الدول الشقيقة المتضررة من عدوان العام 1967.
إنها فترة تقل عن نصف قرن، وهذه فترة ليست بالطويلة في الحقب التاريخية، غير أن الإمارات لم تنتظر مرور الزمن كي تحقق تقدمها، فالقرار بالتقدم، كما قال حكيم العرب: نتخذه مرة في حياتنا، إلا أنه يدوم معنا مدى العمر، إذ سارعت الدولة لمواكبة العصر بصورة حثيثة واضعة نصب الأعين أفضل النماذج المتقدمة في مضمار المعرفة والتنمية والتقدم. حتى بات اسم الإمارات في مصاف أبرز الدول المتقدمة على صعيد النمو الاقتصادي والتنمية البشرية والوزن الإقليمي والحضور الدولي. وما كان يوصف من قبل بصحراء قاحلة بات وجهة سياحية عالمية يمتزج فيها العمران الحديث بالزراعة المتطورة بنمط الحياة العصري، وبات موئلاً لمعظم جنسيات العالم التي تتخذ من الإمارات دار إقامة وعمل وتسهم من خلال ذلك في تقدم الدولة كما تسهم في تطوير بلدانها وسد حاجياتها. فيما ارتقت الدولة من داخلها بعقول وسواعد أبنائها وبحنكة وإلهام قيادتها وتواصلها الحي مع شعبها، وطوت خلال ذلك بسرعة قياسية صفحة العوز والبطالة والأمية إلى غير رجعة، وحققت الأمن الصحي والغذائي مع ما يلزم من وسائل الرفاه الممتزجة بالمعرفة والتطوير الذاتي، وبكل ما يتعلق بجودة الحياة.
ورغم النعت الذي ما زال يجري على الألسن والأقلام بتصنيف هذه الدولة أو تلك ومنها دولة الإمارات على أنها دولة نفطية، إلا أن هذا التصنيف يظل يعكس جزءاً بعينه وجانباً واحداً من جوانب الصورة المُركبة لا كلها، فمنذ عقود توقف الاعتماد الكامل على ثروة النفط، واتجه إلى مجالات رحبة يجتمع فيها الاستثمار بالسياحة وبمدخلات الاقتصاد المختلفة من صناعات وخدمات تصديرية ومن أنظمة متطورة لمناطق التجارة، بما جعل أكثر من نصف الناتج العام يتأتى من هذه الأنشطة وسواها بعيداً عن النفط المتقلب الأسعار. وفي سائر الأحوال فقد جرى استثمار عائدات النفط الوطنية في تحديث البنى التحتية وفي تطوير الاقتصاد وتنويعه. وهذا بعض مفاتيح تقدم هذه الدولة الفتية التي راهنت منذ البدء على التقدم وتحقيق التفوق في سائر الميادين، لا على إمكانية العيش وضمان الحاجات الأساسية لشعبها فحسب، كما هو دأب دول العالم الثالث.
ومن حسن التقدير والتدبير والوفاء لصنيع الآباء، أنه تم اعتماد شعار «روح الاتحاد» لاحتفالات اليوم الوطني، الذي يعكس التمسك بإرادة التوحد، والاهتداء بالجوامع الوطنية المشتركة، والاحتكام إلى المصالح العليا والعامة، بما يتجاوز التجمّع العددي، أو الاصطفاف جنباً إلى جنب أو الانتظام في حلقة واحدة، فالأمر يتعلق بالمخزون الروحي والوجداني والإرث القيمي، الذي يجري صونه والإصغاء إلى نبضه والتفاعل معه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"