سلطان ونبض التهامي

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
لم تغب عن المشهد الثقافي فكرة التواصل الإنساني بين الشعوب في ظل ما يحدث من حروب وتدمير وقتل وتشريد، فبينما كنت في ندوة علمية لمناقشة إصداري الشعري الأخير في وحدة الشعريات بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض، دار نقاش مطول بعد الندوة وتطرق إلى أثر الشعر في مثل هذه القضايا ودوره في معالجة هذا الانكسار بالمحبة، ورفع وردة الكلمة الآسرة أمام البندقية .
كان النقاش منصباً حول أهمية الشعر بالتأثير في الذاكرة، وارتباطه بالهم الإنساني وقضايا الناس، وعلى الرغم من بساطة أسلوب بعض النصوص التي تناولت هذه الفكرة والذي اقتضته الفئة المستهدفة منها وهي عامة الشعوب، وتفضيل الغنائية على الرمزية العالية، فإن المعنى من وراء هذه الفكرة كان عميقاً، ولذلك فقد اكتسبت هذه النصوص مساحة كبيرة من القبول كانت سبباً في خلودها في الذاكرة .
وقد يموت القائل لكن قوله يبقى نابضاً حاضراً إن كان هذا القول ذا أثر في حياة غيره، فقد خلدت قصائد كثيرة وخلد شعراؤها منذ عصر ما قبل الإسلام، وأسهمت في تأكيد هوية الأمة وامتداد حضارتها .
ولذلك قال أحد الشعراء وكان يذكر بعضاً من أصدقائه الذين رحلوا عن هذه الحياة: "لن أدعهم يموتون" .
رحل مؤخراً قليلة أحد رواد الشعر في الوطن العربي، كان قد تم تكريمه في شارقة الشعر من خلال مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته التاسعة عام 2011 نظيراً لإسهاماته في الشعر والحفاظ على ديوان العرب ولغتهم الخالدة، وكان مشهد استلامه التكريم من قبل راعي الأدب والشعر والثقافة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، "رعاه الله" مشهداً لا ينسى، وذاكرة خالدة في سجلات تكريم المبدعين العرب، فالشاعر العربي محمد التهامي الذي صدح بالشعر ليتجاوز صداه أرض الكنانة ويصل بإحساسه وشعوره الإنساني إلى الذائقة العربية، شاعر حمل هم وطنه وقوميته في شعره، كما يحمل المسافر حقيبته التي ترافقه، وها هي الشارقة وبيت الشعر فيها لا تنسى عطاء هذا الرمز الشعري مثلما لا تنسى غيره من الرواد، فهي تكرمهم أحياء وتتذكرهم بعد رحيلهم من خلال فعاليات تقرب المتلقي إلى نتاجهم الشعري .
الشاعر محمد التهامي مثل كل الشعراء المتطلعين إلى الوحدة، فهو لا يعرف اليأس والانكسار، وحاول أن يزرع الأمل في حرفه ليتفيأ الناس ظلاله، فهو يرى هذه الظلال في وحدة الكلمة والمصير الواحد ليقول في مهرجان الشعر في دمشق عام 1961 وكأنه يتنبأ بانتهاء الوحدة بين مصر وسوريا:
قل للذي عن ظلال الأهلِ يبتعدُ
                 بابُ العروبة مفتوحٌ لمن يَفِدُ
بني العروبة هذا يوم وحدتكم
               فلا تقولوا غداً قد لا يجيءُ غدُ
ويروي رحمه الله أن العقاد علق بعد الانفصال على القصيدة بقوله "الشاعر اثنان إما نبي أو مجنون" . وأثناء تكريم هذا الرمز كتب قصيدة للشارقة التي رآى أنها تصل الرحم، وهي في ظل رؤية حاكمها تسعى دائماً إلى وصل رحم الثقافة، وما أصدق ما قاله التهامي:
يا أيها الشيخُ الجليلُ دعوتنا
                    زُمَراً بأحضان الثقافةِ نلتقي
وفتحت بابَك كي يفيضَ عبيرُها
                  ليرُد روح الطارق المتشوّقِ

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"