الحقائق والأوهام حول تزوير الانتخابات الأمريكية

01:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبدالخالق
أبقليل من الاهتمام، وكثير من الاستخفاف والاستياء، استقبل الإعلام والسياسيون الأمريكيون الفرقعة الإعلامية الأخيرة التي فجرها دونالد ترامب، المرشح الرئاسي، بتحذيره من تزوير الانتخابات المقبلة والتلاعب بنتائجها لصالح منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون. ومع ذلك فقد فرض حديث التزوير والتلاعب نفسه، بقوة على الرأي العام، لسبب آخر، غير الذي قصده ترامب.
القلق الأمريكي فرضته معلومات سربتها أجهزة المخابرات، ثم أكدها مسؤولون لاحقاً، عن محاولات روسية محتملة لاختراق الأجهزة الإلكترونية التي تحوي بيانات الناخبين، وتسجل أصواتهم، وتحصيها بعد ذلك.
المعنى الذي رسخته هذه الأنباء، هو أن التلاعب بنتائج الانتخابات أو إفساد العملية كلها أو تعطيلها صار خطراً حقيقياً محتملًا، وليس مجرد مزحة. يعزز هذه المخاوف الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالحزب الديمقراطي أخيراً واستيلاء القراصنة، وقيل إنهم من روسيا، على كم هائل من البيانات والرسائل الإلكترونية، وبعضها يسيء إلى هيلاري.
اختراق النظم الإلكترونية الأمريكية، عموماً، ليس أمراً جديداً، بما في ذلك ماكينات الانتخابات. وسبق أن أذاعت شبكة «سي. إن. إن» عام 2014، فحوى دراسة جاء فيها أن أكثر من 100 مليون أمريكي تعرضت بياناتهم الشخصية للاختراق في 2013. وتسجل سلطات ولاية الينويز حادثاً مماثلاً، حيث سطا القراصنة على بيانات ما يزيد على 200 ألف ناخب.
وللصين على نحو خاص تاريخ طويل وموثق في التسلل إلى أنظمة الشركات الكبرى الأمريكية والسطو على بيانات مالية وتقنية بالغة الأهمية. ويعتبر مسؤولو الأمن القومي الأمريكيون عمليات القرصنة الإلكترونية واحدة من أكبر المخاطر الاستراتيجية التي تواجه أمن بلادهم، حيث يمكن أن تتسبب في شلل كامل للبنية التحتية، وشبكات الدفاع والمصارف والاتصالات والمواصلات وغيرها.
لذلك أطلق اختراق كمبيوترات الحزب الديمقراطي أجراس إنذار مدوية في مؤسسات الأمن، خوفاً من تكرار المحاولة قبل أو خلال الانتخابات الرئاسية يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ويعتقد الخبراء أن اختراق الأجهزة الحاضنة لبيانات الناخبين، ليس مستحيلاً، بل قد يكون أسهل مما يعتقد كثيرون. ومن وجهة نظر خبير مثل دان زيمرمان عالم الكمبيوتر المختص في التكنولوجيا المستخدمة في الانتخابات، فإن تنفيذ عملية قرصنة ناجحة على هذه الأجهزة، لا يحتاج إلى خبير محترف، ويكفي أن يقوم بها طالب مجتهد في المرحة الثانوية، ولن تستغرق المحاولة منه وقتاً طويلاً، قبل أن تكلل بالنجاح.
وقبل أسبوع ذكرت صحيفة «ذي هيل» أن أحد قراصنة الكمبيوتر أخبر شبكة «سي بي إس» أنه يمكن التصويت الإلكتروني أكثر من مرة باستخدام شريحة تباع في المتاجر المختصة، ولا يزيد ثمنها على 15 دولاراً.
وتأخذ عمليات التلاعب التي قد تتعرض لها ماكينات التصويت أشكالاً عدة وفقاً لهدف المتسلل. وقد لا يتعدى الأمر استعراض مهارات القراصنة الهواة. ولكن قد يصل إلى سرقة البيانات الشخصية للناخبين أو زرع فيروسات مدمرة تتلف البيانات المخزنة، وتشل الأجهزة تماماً. ويمكن، كما يقول الخبراء، برمجة الآلات على نحو خاص للتلاعب بتوزيع الناخبين أو تضليل عمليات التسجيل للأصوات، أو عمليات الفرز والرصد لها، بما يظهر نتائج مخالفة للحقيقة.
أمّا تصريحات ترامب عن التلاعب لصالح هيلاري أو احتشاد الديمقراطيين للتصويت الجماعي 15 مرة، على حد قوله، فليست أكثر من إحدى تجليات نظرية المؤامرة التي يعتنقها. وقد تصدى خبراء تقنيون لتفنيدها، مستبعدين تماماً إمكانية التصويت الجماعي لعدة مرات. وهناك دراسة لجامعة أريزونا توضح أنه في كل الانتخابات التي جرت في الفترة من 2000 إلى 2012، لم يتم تسجيل سوى 2068 شكوى من وقوع مخالفات. ومن بين هذا الرقم لم تتعد نسبة الشكاوى من التصويت مرتين 7.4% فقط.
جانب آخر من مزاعم ترامب، تصدت له صحيفة «بوسطن غلوبال» التي أعادت التذكير بدراسة أثبتت أن إجمالي عدد الأصوات في الانتخابات التي جرت منذ عام 2000، بمستوياتها كافة، المحلية والفدرالية، بلغ نحو مليار صوت. ومن بين هذا العدد الضخم من الأصوات، لم يثبت سوى 31 واقعة تلاعب فقط.
تصريحات ترامب، إذن، غير جادة، وبلا أساس. والأخطر أنها غير مسؤولة، وهو ما أقلق الجمهوريين والديمقراطيين على السواء. معنى تشكيكه في النتائج، مقدماً، أنه يقول إنه إذا خسر فإن الانتخابات تكون مزورة. هذا يعني زعزعة الثقة في نزاهة الانتخابات، وعدم الاعتراف بنتيجتها، وتقويض إيمان الرأي العام بشرعية النظام الجديد المنتخب، ومن ثمّ زرع بذور فوضى، لا يعلم أحد إلى أي مدى يمكن أن تصل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"