وعد بلفور.. تسعة وتسعون عاماً من القمع

03:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
سلطان حميد الجسمي

قبل تسعة وتسعين عاماً، وبالتحديد في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 كان وعد بلفور، الذي دخل التاريخ كصفحة سوداء من صفحاته في العصر الحديث، وذلك حينما أعلن آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا أن بلاده تمنح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، لينطبق على هذا الوعد الاستعماري الظالم أنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق. واستتبع هذا الوعد المشؤوم الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي كان خنجراً غادراً ضد الشعب الفلسطيني، حيث قامت بريطانيا خلال مدة انتدابها بتشجيع ودعم هجرة اليهود إلى فلسطين وتوطينهم، فهاجر إلى فلسطين أثناء مدة الانتداب البريطاني أكثر من مئة ألف يهودي، كونوا عصابات إرهابية مسلحة مثل «الهاغاناه» و«الأرغون» وغيرهما للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإرهاب الفلسطينيين، وكل ذلك كان تنفيذاً لوعد بلفور، الذي تمت ترجمته عملياً في قيام دولة «إسرائيل» عقب خروج بريطانيا من فلسطين عام 1948.
كان هذا الوعد المشؤوم جريمة في حق الشعب الفلسطيني، فبهذا الوعد الغاشم فتك الصهاينة بالآلاف من الفلسطينيين بكل الوسائل الوحشية من القتل الجماعي والفردي، وهدم المنازل، وتهجير الفلسطينيين وتشريدهم وقمعهم وحصارهم، ومنع المعونات والأغذية عنهم، وحرمانهم من التعليم والصحة وغيرهما، والاستيلاء على الأراضي وسلبها وتهويدها، وبهذا الوعد الغاشم أيضاً زرعت قوى الاستعمار الإرهاب في الشرق الأوسط، وقامت «إسرائيل» بتنفيذ العديد من عمليات الإرهاب والاغتيال في مختلف مناطق العالم.
لقد جاء صدور وعد بلفور بعد عشرين عاماً من النشاط الصهيوني المنظم الذي بدأه الصحفي النمساوي ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة من أجل إقامة وطن لليهود في فلسطين ، فقد نظم هرتزل المؤتمر الصهيوني الشهير في بازل بسويسرا عام 1897، ليعلن فيه أن دولة الصهاينة ستقوم خلال خمسين عاماً من تاريخ هذا المؤتمر، وتزعّم هرتزل المنظمة الصهيونية العالمية التي انبثقت عن المؤتمر، وعقد خلال السنوات التالية خمسة مؤتمرات أخرى، وأسس الصندوق الاستعماري الصهيوني وعدداً من المؤسسات التي سهلت عملية استعمار فلسطين لاحقاً، وبدأ اتصالاته مع الدول الكبرى، واستخدم شتى الوسائل لتحقيق أهدافه، من فنون الدعاية والخطابة والسياسة والعلاقات والاتصالات، إلى سلاح المال والرشوة والإغراء، إلى فنون التهديد والوعيد والعنف، وفكَّر فعلياً بإنشاء جيش صهيوني لتأسيس ما سماه ب«أرض الميعاد» كوطن لليهود، مستعيناً بالقوة والعنف والإرهاب، كما جاء في مذكراته. وعندما نتأمل هذه النقطة بالتحديد، نجد الملامح الإرهابية الواضحة للحركة الصهيونية ، كما نجد بوضوح المشتركات التي تجمع بين الحركة الصهيونية المتطرفة والحركة الداعشية المتطرفة، فكلتا الحركتين تؤمنان بضرورة إيجاد وطن خاص بهما، تلك باسم «أرض الميعاد» والأخرى باسم «أرض الخلافة»، وكلتا الحركتين تؤمنان باستعمال العنف والإرهاب كوسيلة لتحقيق هذا الغرض، كما أن كلتيهما تؤمنان بمبدأ التوسع والتمدد لبسط النفوذ والسيطرة، بالإضافة إلى أن كلتيهما تنطلقان من مفاهيم دينية متطرفة، وهو ما يؤكد أن الإرهاب الصهيوني والداعشي يمثلان خطراً وتهديداً للمنطقة والعالم.
إن الحركة الصهيونية حركة استعمارية بامتياز، فقد ولدت في حضن الاستعمار البريطاني، وهي لم تكتف بالمناطق التي احتلتها من فلسطين، بل سعت لإرواء جشعها وطمعها باحتلال مناطق ودول أخرى، منطلقة في ذلك من الشعار الصهيوني الاستعماري الذي يقول: «حدودك يا «إسرائيل» من الفرات إلى النيل»، فاحتل الكيان الصهيوني أرض سيناء المصرية سنة 1956، وبعد انسحابه عاد لاحتلالها مرة أخرى سنة 1967، ولم تتحرر سيناء إلاّ بعد حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، كما احتل الصهاينة هضبة الجولان السورية ، والضفة الغربية الفلسطينية ومناطق أخرى في فلسطين، وفي سنة 1982 قام الكيان الصهيوني بغزو لبنان عبر هجوم واسع وصل إلى مدينة بيروت. وتوالت الجرائم الصهيونية في داخل فلسطين وخارجها، ففي عام 2002 في عهد حكومة شارون قامت القوات «الإسرائيلية» باجتياح كامل للمدن والقرى الفلسطينية واستباحتها، وارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، كما بدأت «إسرائيل» في العام نفسه ببناء جدار الفصل العنصري، ورسمت لنفسها صفحات دموية سوداء طوال تاريخها، فلا تخفى المجازر «الإسرائيلية» ضد الفلسطينيين، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا وغيرها، والاعتداءات «الإسرائيلية» على المسجد الأقصى، وحرقه عام 1969، ولاتزال ممارسات الكيان الصهيوني العدوانية مستمرة إلى يومنا هذا.
ومن العجيب أن نجد مع هذه الحقائق المؤلمة بعض وسائل الإعلام الغربي يروج للكيان الصهيوني على أنها دولة ديمقراطية، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، فهي سلبت الحقوق، ومارست أعتى صور الديكتاتورية، بل وامتازت بقتل الأطفال دون وازع من إنسانية أو رحمة.
لقد تعرضت «إسرائيل» لنكسات عدة في تاريخها، كان آخرها الانتصار الفلسطيني في أكتوبر 2016 عبر تبني «اليونيسكو» مشروع قرار باعتبار الحرم القدسي أرضاً إسلامية، وتم اعتماد القرار بعد تصويت المجلس التنفيذي للمنظمة عليه بشكل نهائي، رغم الضغوطات «الإسرائيلية» والغربية الكبيرة لمنع هذا القرار التاريخي.

[email protected]

إعلامي وكاتب. أول إماراتي يشغل منصب مستشار
للأمم المتحدة لبرنامج الغذاء العالمي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"