عادي
قراءات

«غوته في إيطاليا».. عين الشاعر قافية الجمال

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
البندقية

الشارقة: علاء الدين محمود
يعد أدب الرحلات ثروة من المعارف والأفكار وسياحة جمالية توفر المتعة للكاتب والقارئ معاً، وبالطبع فإن ذلك يتوقف على المؤلف نفسه، واكتشافاته وانطباعاته في المكان الذي سافر إليه، ولئن كان أدب الرحلات يتميز بكل تلك القيمة المعرفية والجمالية، فكيف يكون الحال لو أن كاتب يوميات الرحلة أديب بحجم يوهان غوته (1749 – 1832)، والذي يعد شاعر ألمانيا الأكبر، وواحداً من أهم الأدباء على مستوى العالم.

الكاتب العراقي وعالم الاجتماع فالح عبد الجبار، ترجم كتاب غوته «رحلة إيطالية»، إلى اللغة العربية، وهو الكتاب الذي فاز بجائزة ابن بطوطة للرحلة المترجمة، ويستعرض العديد من المواقف والمشاهد التي مر بها غوته في إيطاليا؛ حيث وثق للمعالم الفنية البارزة، وتعرف إلى سيرة كبار الشعراء والرسامين والمبدعين، وقد صنف المؤلف ضمن الأعمال التي أرخت للثقافة الإيطالية الضاربة في القدم باعتبارها أحد أبرز وجوه الحضارة العالمية، وقد جاء في تقدمة الكتاب: «تعد هذه اليوميات واحداً من أعظم النصوص الأوروبية التي وضعت في هذا اللون الممتع من الأدب، بقلم شاعر وكاتب مخضرم عاش في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ودون فيها تجربته في السفر والمعرفة والمغامرة نحو ما كان يعتبر مستودع الفنون ومجمع الآثار العظيمة لعصر النهضة»

1

دون غوته يومياته استناداً إلى رحلتين قام بهما إلى إيطاليا، الأولى كانت في سبتمبر/ أيلول عام 1786، واستمرت حتى إبريل/ نيسان من عام 1787؛ حيث قضى خمسة أشهر في فيرونا، والبندقية، وروما. أما الرحلة الثانية، فقد بدأها في يونيو/ حزيران من عام 1787، واستمرت حتى إبريل من عام 1788، قضاها هذه المرة كلها في روما عازماً على التمتع بمعالمها وآثارها ومتاحفها. جاء الكتاب بلغة باذخة وشامخة؛ حيث شيّد غوته مشاهد ووقائع بصرية، جعلت الكتاب أشبه بالقصيدة الملحمية التي يكثر فيها ذكر السير والأخبار، والتفاصيل حول كل العناصر الحياتيَّة في مكان يمزج الفن والتاريخ والعمارة.

يعكس الكتاب طبيعة غوته نفسه، والذي كان ميالاً إلى التعرف إلى الثقافات المختلفة، فكان أن أقبل على دراسة اللغات اللاتينية واليونانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية، كما تعمق في دراسة الأدب الشرقي، بالتالي تكتسب ملاحظاته أهمية خاصة كما أنها توفر المتعة الحقيقية كونها قد جاءت على يد شاعر مبدع، والواقع أن تلك الرحلة كانت فترة راحة واستجمام، غير أن غوته انبهر تماماً بالجمال والسحر الإيطالي فتعمق في دراسة حضارتها، وقام بإبداع عدد من أجود وأفضل رواياته التمثيلية من وحي إلهام تلك الرحلة مثل «افيجينيا»، «إجمونت»، و«ناسو»، كما شهد الكتاب على مواهب الشاعر المتعددة بخلاف الكتابة الإبداعية، فقد دون ملاحظات دقيقة حول المعمار والطقس والعادات والتقاليد، وكأنما أراد لكتابه أن يكون مرجعاً موسوعياً، وبالفعل فإن المقاربات والمقارنات التي عقدها ظلت وثائق تحمل ضمن تفاصيلها تحديداً للأمكنة والمعابد وطرز العمران وشكل الفنّ والأدب آنذاك، وكذلك الأنهار والمجاري المائية بسرد لا يخلو من الشعرية، ويقول واصفاً أحد الأنهار: يجري نهر آديج الآن بصورة هادئة، وتنبجس منه في مواضع شتّى جزر عريضة من الحصى، وتزدحم ضفّتا النهر والتلال بالمزروعات الكثيفة، التي تدفع المرء للتخيّل بأنّ كل محصول يخنق الآخر، الذرة، التوت، التفّاح، الكمّثرى، السفرجل والجوز.

لقد أعجب غوته بمنجزه وما احتواه من تفاصيل بديعة إلى حد قوله في إحدى رسائله: إن العمل كان حقيقياً تماماً وحكاية خرافية رائعة، وعقب عودته من تلك الرحلة إلى ألمانيا، ذكر أن إيطاليا هي الأرض التي طالما حلم بها وقال: نحن جميعاً حجاج يسعون لإيطاليا، فهي بالنسبة له الجنوب الدافئ العاطفي، مقابل الشمال الرطب الحذر، وهو المكان الذي يحمل عبق الحضارة والتاريخ والتقاليد الأوروبية القديمة، والذي ما يزال حيا باقيا في القلوب بإشراقاته الجمالية البديعة وبمدنه ومعالمه البارزة والآثار القديمة، وقد أراد غوته من خلال كتابه أن يخلد ذلك المكان الفريد، بتدوينات تبقى إلى الأبد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"