هل ينقلب الإسلاميون على الديمقراطية في مصر؟

05:37 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعدما كرر الإخوان المسلمون الوعد بعدم خوض الانتخابات الرئاسية المصرية قرروا ترشيح أحد قادتهم، الأمر الذي اعتبره كثيرون نكوثاً بالعهد ومبرراً للشك في نوايا الإخوان ووعودهم المتعلقة بديمقراطية النظام الجديد .

والحقيقة أن النكوض بالوعود بهدف الوصول إلى السلطة ظاهرة تشمل كل المرشحين والأحزاب في العالم أجمع . ويقر علم الاجتماع الانتخابي بأن للحملات الانتخابية خطاباتها ووعودها، وللحكم ممارساته التي لا يحكمها بالضرورة هم الوفاء بالوعود الانتخابية التي من وظائفها استجلاب العدد الأكبر من أصوات الناخبين . وبمعزل عن عقيدتها فإن الأحزاب التي تسلك الاقتراع العام طريقاً إلى السلطة ليس بإمكانها الخروج عن هذه القاعدة لأسباب تنافسية على الأقل .

وصل حزب الحرية والعدالة المصري إلى السلطة عن طريق الاقتراع الشعبي العام وليس عن طريق انقلاب عسكري أو غزو خارجي، أو حتى ثورة شعبية . فهو لم يكن في طليعة هذه الثورة أو ممن حلموا بها أو خططوا لها، بل إنه فوجئ بها مثل غيره . وقد صوّت له ناخبون يتطلعون إلى الاستقرار والى طبقة سياسية لا تمارس الكذب والدجل والفساد وتتقي الله وتعبده . وقد فاز الإسلاميون لأنهم أكثر تنظيماً من غيرهم بسبب تمرسهم على السرية ومقارعة النظام الذي اضطهدهم منذ عقود طويلة، ولأن المجتمع مسلم عموماً ويود إعطاء الإسلام السياسي الأصلي، أي ابن البيئة، فرصة لتطبيق شعار الإسلام هو الحل بعد فشل الأيديولوجيات القومية والاشتراكية والليبرالية المستوردة .

والآن وقد وصلوا إلى السلطة يخشى محللون كثيرون من سعيهم لإقامة نظام إسلامي رغم الشعارات الديمقراطية التي يتسترون خلفها . فهل هذه المخاوف مبررة؟

في الحقيقة لا يمكن للإسلاميين تجاهل التغيرات السوسيولوجية التي حصلت، مثل انخراط المرأة في سوق العمل والجامعات وفي النشاطات الاجتماعية والسياسية وظهور جيل جديد يتكلم لغات أجنبية ويشاهد الفضائيات العالمية ويتعاطى وسائل الاتصال الحديثة التي أسهمت في إطاحة النظام القديم، وهو الذي صنع الربيع الذي أوصل الإسلاميين إلى السلطة، ولا يزال في الشارع لصنع ربيع جديد إذا اقتضت الضرورة . هذا الجيل أضحى أقل تعلقاً بالشخصيات الكاريزمية وبالأيديولوجيات السياسية المقفلة والشعارات الجوفاء .

في هذه البيئة سريعة التجدد والدينامية سيجد الإسلاميون أنفسهم في الحكم وعلى يسارهم الليبراليون والعلمانيون واليساريون المطالبون بالكثير من الانفتاح والحرية، وعلى يمينهم السلفيون الداعون لتطبيق الشريعة والاقتداء بالسلف الصالح والعودة إلى الأصول . كيف التوفيق ما بين الحدّين من دون التضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان والسياحة والاستثمارات الخارجية والمساعدات الأجنبية، لاسيما الغربية منها، وهي أكثر من ضرورية في هذه المرحلة؟

سوف يضطر الحكام الجدد إلى الوقوف في الوسط وصياغة خطاب توفيقي لن يرضي أياً من طرفي النقيض . وسوف يكون عليهم إيجاد الحلول الفعالة لمشكلات ملحة مستعصية وهذا ما يقارب المستحيل . ولابد والحال هذه من أن تبتعد الأمور تدريجياً عن الأيديولوجيا نحو إسلام ثقافوي هويتي لا يجبر المرأة على ارتداء الحجاب بل يدعوها إلى الحشمة والحياء، كما يحث على احترام قيم العائلة والامتناع عن شرب الكحول في الأماكن العامة (الأمريكيون أنفسهم فعلوا ذلك في الستينات الماضية) واحترام الأخلاق الإسلامية، وهي أخلاق إنسانية عموماً . سوف يضطرون أيضاً إلى التعامل مع ضغوط خارجية شديدة ورقابات دولية من كل الأنواع، فاليوم لم تعد الظروف كما كانت عليه وقت انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وإذا كان ثمة من يخشى صعود الإسلام المتطرف فهو الصين (مشكلتها مع الاويغور في إقليم كسجيانغ) وروسيا (خشيتها من الإسلام المتشدد في داغستان وآسيا الوسطى عموماً والشيشان . . .) كما أوروبا (الأقليات المسلمة ومشكلة الهجرة غير الشرعية من الجنوب . . .) أما الولايات المتحدة التي تعاطت ببراغماتية واضحة مع الربيع العربي فإنها عانقت الإسلام السياسي من أجل وضعه تحت الرقابة ودفعه في اتجاهات معينة والضغط عليه عند اللزوم .

لن يتمكن الإسلاميون من الانقلاب على الديمقراطية ولن تؤيدهم المؤسسة العسكرية في ذلك . فالسلفيون المصريون يكفّرون الانتخابات على الطريقة الغربية لكنهم اضطروا لسلوك سبيلها . حادثة أحد نوابهم، الذي أجبروه على الاستقالة، تحمل الكثير من الدلالات . لقد أجرى عملية تجميل لأنفه في وقت تحرّم العقيدة التي يحملها وانتخب على أساسها إجراء مثل هذه العملية . خان الرجل معتقده عندما كذب (ادعى بأنه تعرّض لاعتداء من قبل مجهولين) وعندما أجرى عملية التجميل . هذه الحادثة تبرهن كم أن السلفيين بشر مثل غيرهم، قد يعلن منهم جهاراً ما لا يؤمن به في سره ويسعى للوصول إلى السلطة عبر مبادئ هو نفسه لا يؤمن بها . ولا ننسى الصراع الذي بدأ بين حزبي الإخوان والنور في مجلس الشعب كما الخلافات داخل الإخوان أنفسهم بسبب ترشيح الشاطر، والانسحابات من المجلس التأسيسي لصياغة الدستور احتجاجاً على طغيان الإسلاميين عليه والتظاهرات الاحتجاجية بين الفينة والفينة والصحافة الحرة . . الخ . وكلها من مواصفات الديمقراطية ولو في حدها الأدنى .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"