قمة جديدة تقبع في الظل

03:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
ورد في وسائل الإعلام قبل أيام أن أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي بحث مع مسؤولين مصريين ترتيبات عقد القمة العربية في مصر يومي 27 و28 مارس/آذار الجاري، وذلك بعد أن تنازلت دولة الإمارات عن دورها في استضافة القمة للشقيقة مصر . الخبر لم يستوقف كثيرين، ومن الطبيعي ألا يثير الخبر الخاص بانعقاد قمة جديدة اهتماماً كبيراً . فالتطورات الأمنية المتسارعة في العراق وسوريا وليبيا واليمن لا تترك لدى الرأي العام فسحة للاهتمام بمناسبة روتينية مثل القمة . وصانعو القرارات بدورهم يشاطرون الرأي العام منح القضايا العاجلة التي تمس أمن الدول فرادى ومجتمعة الأولوية الحاسمة .
منذ مارس/آذار الماضي الذي انعقدت فيه القمة العربية في الكويت ازداد الوضع العربي والإقليمي تعقيداً . الاحتراب في ليبيا وبروز تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا وليبيا أيضاً، والانقلاب الحوثي في اليمن من أبرز مظاهر التوتر الداخلي الشديد الذي يفيض بتداعياته على الإقليم . تتم مواجهة هذه التداعيات بجهد أمني ذاتي في الدول المتأثرة مثل مصر والأردن ولبنان وبعض دول الخليج . والتواصل العربي في هذه المرحلة الحساسة يتخذ بدوره طابعاً أمنياً أكثر مما هو سياسي .
خلال العام الذي مضى على القمة السابقة جرى حل الأزمة الخليجية بجهود شاقة بذلها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح . وهذا من التطورات الإيجابية القليلة التي وقعت خلال العام الماضي وكان من مفاعيلها اتخاذ موقف خليجي حازم وموحد من الانقلاب الحوثي في اليمن . غير أن التقارب الخليجي ما زال بحاجة الى دفع أكبر من أجل المساهمة الموحدة في معالجة الأزمة الليبية، علماً بأن حل هذه الأزمة مرهون أولاً بالإرادة السياسية لفرقاء النزاع من الليبيين أنفسهم . فيما ظهور "داعش" هناك أسهم في المزيد من تعقيد الأزمة وذلك مع الخشية من ان يعقد هذا التنظيم الإرهابي تحالفات خفية ولو آنية مع أطراف داخلية في هذه الأزمة . علاوة على خطورة الدور التدميري الخاص الذي يلعبه .
في ضوء هذه التطورات تبدو الحاجة ماسة الى انعقاد مجلس وزاري للدفاع العربي في إطار الجامعة العربية، قبل انعقاد القمة السادسة والعشرين . هذا مع تيقن المرء من أن الأجهزة الأمنية العربية تقوم بالتنسيق اللازم فيما بينها، وبالطبع بعيداً عن كل أضواء . غير أن انعقاد مجلس وزاري للدفاع من شأنه إبرام تعهدات ملزمة بين الأطراف العربية، والتجسير مع الرأي العام العربي بخصوص الجهود المبذولة لتطويق الإرهاب أيّاً كان مصدره ولبوسه، وخلال ذلك بعث رسالة قوية ضد التدخلات الإقليمية أياً كانت . مع تدفق المعلومات على مدار الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي، والبث الذي تقوم به جماعات متطرفة على الشبكة العنكبوتية، فإن الرأي العام يصاب بالبلبلة الشديدة حيال المخاطر التي تهدد الأمن الجماعي العربي . غير أن مجلساً وزارياً للدفاع لا يقوم، ويجري منذ أمد بعيد استبداله بمؤتمرات لوزراء الداخلية العرب تبقى أغلب قراراتها طي الكتمان . ويتساءل المرء: لماذا لا ينعقد مجلس وزاري دفاعي عربي تحضيراً للقمة، على غرار الاجتماعات التمهيدية للقمة التي يعقدها وزراء الخارجية العرب؟
من حسن الطالع أن هناك مجلساً وزارياً للدفاع المشترك في إطار مجلس التعاون الخليجي، وهو يسُدّ ثغرة كبيرة في العمل الجماعي العربي، ويتواصل مع أطراف عربية عديدة . وجود هذا المجلس يشكل ضمانة لمنعة دول الخليج وللأمن العربي في دول المشرق على الخصوص أمام التحديات المتزايدة، ومن بينها التهديدات الإرهابية وأنشطة جماعات متطرفة عابرة للحدود .
والراجح الآن أن القمة المقبلة في مصر إذا عقدت في موعدها ومن دون عقبات وعلى مستوى عال من التمثيل، سوف تشكل في جانبٍ منها دعماً لمصر، أمام المخاطر الأمنية التي تتعرض لها في الداخل وعبر الحدود مع ليبيا بالذات، وكذلك دعماً لها في وجه الصعوبات الاقتصادية التي ما انفكت تواجهها، إلا أن الترتيبات السابقة على عقد القمة ستكون هي الأهم، وهو أمرٌ معهود في القمم، غير أن الظروف الحالية التي تكتنف المنطقة تشي بأن أغلبية الدول العربية هي بالفعل في حالة أشبه بحالة طوارىء غير معلنة . وهو أمرٌ لا سابق له إذ تتضافر التحديات الداخلية الداهمة مع تحديات إقليمية سافرة، وتتفاعل عناصر التهديد الداخلي مع عوامل التهديد الخارجي، ربما لأول مرة وبمثل هذا الحجم وهذا التعقيد . وسوف يتاح في جميع الأحوال معرفة ما إذا كانت القمة الجديدة في مصر سوف توجّه رسالة قوية وواضحة لمن يعبثون بالأمن الجماعي، ويستهينون بسيادة الدول واستقلالها واستقرارها، وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، أم ستكتفي بترديد العموميات التي تُبقي التساؤلات معلقة، ومعها حالة أشبه بالفراغ السياسي لا يُسعف الضجيج الإعلامي هنا وهناك بملئها، فيما تبدو الأقطار العربية في هذه الأثناء أشبه بجزر متناثرة، وسط محيط صاخب الأمواج وعواصف عاتية .
لعل إرادة البقاء وحتى غريزة البقاء تؤذن بانعقاد قمة نوعية، تجيب عن التحديات . . فإذا كانت أوروبا جميعها ومعها الولايات المتحدة تنشغل بأزمة بلد واحد هو أوكرانيا، فثمة أكثر من "أوكرانيا عربية" في منطقتنا تستحق الانشغال بها وبلورة مواقف موحدة بشأنها، وقبل أن يتسع الفتق على الراتق؟!

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"