الاحتفاء بأبي الطيب (2)

15:48 مساء
قراءة دقيقتين

هل كان أبو الطيب يقرأ الغيب؟ ليس هذا القول دقيقاً، ولكنه كان يرى في نفسه القدرة على التنبؤ بما سيحدث غداً، تجاربه ودقة ملاحظته وثقافته الواسعة كلها كانت تدفعه إلى رؤية أمور لا يراها الإنسان العادي.

ألم يكن أبو الطيب صادقاً في تنبئه بأننا عبر دهر من الزمن، سوف نردد معه ما يقوله، ونستشهد في كل شيء بما يقوله؟ وألسنا نحن الآن بعد اثنتي عشرة مائة من السنين نؤيد ما يقوله ونصادق عليه؟

وما الدهر إلا من رواة قصائدي

إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا

فسار به من لا يسير مشمراً

وغنى به من لا يغني مغردا

ومن عظمة هذا الشاعر، أنه يصاحبنا في أكثر مما يدور حولنا في حياتنا اليومية من سلبيات وإيجابيات ومن هموم وأفراح، ويضع أبو الطيب أمامنا صورة واضحة للشيء الكثير مما يدور، وفي كلمات يرسمها ويجسدها أمامنا تتراقص رشيقة وفي منتهى الحيوية.

أعرف شخصاً مليء النفس بالهواجس وهذه نابعة من رأيه غير الحسن في كل من حوله.. ومن فترة غير بعيدة أخبرني عن صديق لي أثق بحسن رأيه ونواياه خبراً ليس فيه ما ينبئ عن شيء جيد.. وأعرف أن سوء الظن وحده هو الذي كون عنده هذا الرأي..

وحضر لذهني أبو الطيب، وما قاله، في هذا الموضوع، كأنه كان ثالثنا:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى محبيه بقول عداته

وأصبح في ليل من الشك مظلم

نقيض المثاليات في شعر المتنبي وأقواله قليل، وبالكاد نعده على الأصابع، ولكن إذا عد أحدنا المثاليات عند شاعرنا الكبير، فإنه يجد فيها الكثير..وفي رأيي أنه يكفي المتنبي في كل الأحوال أن نعيد إنشاد أبيات قليلة من شعره، لتظهر لنا تلك الهمة والكلام الجميل المتزن.

وللحديث صله غداً إن شاء الله

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"