عادي

متى يصح الوقف شرعاً؟

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

الوقف سنة سنها الإسلام لينتفع بها الواقف والموقوف عليه، وهو من الصدقات الجارية التي لا ينقطع أثرها بالموت.
وقد قال الفقهاء في تعريف الوقف أقوالاً كثيرة إلا أنها كلها تؤدي إلى معنى واحد هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
فعند الإمام أبي حنيفة هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة وبناء على هذا التعريف تبقى ملكية العين الموقوف للواقف نفسه، انظر الهداية للميرغناني ج3 ص 15.
وعند المالكية هو إعطاء منفعة شيء مدة وجوده، لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً مدة ما يراه المحبس (الواقف) فهو عند المالكية محدد المدة لو أراد الواقف ذلك، انظر الشرح الصغير للدردير ج4 ص 98.
وعند الشافعية هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، انظر مغني المحتاج بشرح المنهاج ج2 ص 376.
وعند الحنابلة هو تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرفه وغيره في رقبته بصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله، انظر شرح منتهى الإرادات ج2 ص 489.
هذا الوقف الذي عرفه الفقهاء بمثل هذه التعريفات، لكي يكون صحيحاً ولازماً لابد أن تتوافر فيه أركان أربعة: واقف ومال موقوف وموقوف عليه وصيغة.
ولكي تصح هذه الأركان شرعاً لابد أن يستوفي كل من الأركان شروط الصحة:
1- اشتراط الفقهاء في الواقف أن يكون مكلفاً (بالغاً عاقلاً) مختاراً أهلاً للتبرع، مالكاً للرقبة (المال الموقوف)، ومن أجل ذلك فإن الصبي المجنون والمحجور عليه وغير المالك للمال الذي يريد وقفه لا يصح وقف أي من هؤلاء.
2- اشترطوا في الموقوف أن يكون عيناً مملوكة قابلة للنقل مع بقاء عينها أو يكون منفعة تستأجر لذلك الهدف، فلو وقف طعاماً لم يصح لأن عينه تستهلك بالأكل.
3- اشترطوا في الموقوف عليه أن يكون شخصاً معيناً أو أشخاصاً أو جهة بر كمدرسة أو جمعية، واشترط الجمهور أن تكون تلك الجهة لا تنقطع، أما المالكية فأجازوا من غير هذا الشرط؛ لأنهم يجيزون الوقف لمدة معينة.
4- اشترطوا للوقف صيغة معينة دالة على الوقف كقوله وقفت وحبست وسبّلت أو تصدقت صدقة لا تباع ولا توهب.
ومثل هذه الصيغ اشترطوا في وقف ما غير المسجد والمقبرة؛ لأنه من العقود التي تحتاج إلى اللفظ أو الكتابة مع النية.
واستثني من هذا المسجد والمقبرة فإنهما بطبيعة الحال إذا بناه أو بناها أحدهم بنية المسجد أو المقبرة في أرض حرة بنية الوقف فإنه يصير وقفاً، انظر بدائع الصنائع للكاساني ج6 ص 336، وانظر الشرح الصغير للدردير ج4 ص106، وانظر مغني المحتاج للشربيني ج2 ص 382 وانظر المغني لابن قدامة ج5 ص 603.
ويذكر الدكتور أحمد الحداد من علماء دبي بأن الفقهاء اشترطوا في صحة الوقف شروطاً أخرى غير التي ذكرت، إلا أنهم لم يتفقوا على هذه الشروط التي هي: التأبيد والتنجيز والإلزام وبيان المصرف وعدم اقتران الصيغة بشرط يخل بمقصود الواقف.
فالتأبيد شرط عند الجمهور، والمالكية أجازوا الوقف لمدة كسنة ثم يرجع ملكاً للواقف.
والتنجيز اشترطه الجمهور أيضاً، والمالكية قالوا: يجوز معلقاً كأن يقول هو حبس على كذا بعد شهر مثلاً.
واللزوم شرط عند الجمهور أيضاً، فمن وقف صار لازماً لا رجوع فيه، لكن أبا حنيفة قال بعدم زوال ملك الواقف إلا بحكم حاكم أو بموت الواقف.
ومصرفه شرط عند الحنفية والشافعية ولا يصح الوقف عندهم بقوله وقفت، إلا أن المالكية لم يشترطوا التعيين وقالوا إن المصرف يعرف بالعرف أو أنه للفقراء عموماً وبمثل هذا قال الحنابلة.
وعند عدم اقتران الصيغة بما يخل بشرط الواقف قال الحنفية ببطلان الوقف إذا اشترط ما ينافي مقتضاه، وبمثل هذا أفتى المالكية مع استثناء بعض الشروط.
لكن الشافعية والحنابلة رغم أنهم يشتركون مع الأحناف والمالكية في جانب فإنهم يرون أن الشروط إذا كانت في مصلحة الوقف أو الموقوف عليهم أو الواقف مشروعة، انظر من فقه الوقف للدكتور الحداد ص 26 ـ 31.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"