ريما خلف.. الرافضة للصمت العربي

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
القنبلة السياسية التي فجرتها الدكتورة ريما خلف في وجه الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس، عندما طالبها بسحب التقرير الذي أصدرته «الإسكوا» والذي وصف «إسرائيل» بدولة التفرقة العنصرية، كان حدثاً بارزاً، وموقفاً كبيراً لابد من التوقف عنده باهتمام.
فالسيدة العربية التي رفضت سحب التقرير، وقدمت استقالتها من الأمم المتحدة، لم تقدم استقالة عادية، مثلها مثل أي موظف في المنظمة الدولية، وإنما قدمت موقفاً عربياً عز وجود مثيل له في هذه المرحلة البائسة التي تمر بها أمتنا العربية، فمن هي هذه السيدة التي صرخت في وجه الأمم المتحدة، قائلة: كفى، ومعلنة بأوضح الصور، أن استغباء العقل العربي، لم يعد مقبولاً؟
(ريما خلف - الهنيدي، هي مواطنة أردنية، ولدت عام 1953 متزوجة ولها ولدان)، اقتصادية وسياسية، حاصلة على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت، والماجستير والدكتوراه في علم الأنظمة من جامعة «بورتلند» الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنها اختيرت من قبل صحيفة «الفايننشال تايمز» كإحدى الشخصيات الخمسين الأولى في العالم التي رسمت ملامح العقد الماضي.
ولو دققنا قليلاً في تاريخ ميلاد هذه السيدة الأردنية، لوجدنا أنها تنتمي إلى جيل عايش الكثير من الأزمات العربية، وشاهد بأم عينه الانكسارات التي لحقت بأمتنا، بدءاً من نكبة فلسطين، مروراً بالنكسة عام 1967، والغزو الصهيوني للبنان، والاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة على العرب والفلسطينيين خاصة، وصولاً إلى غزو العراق، ومسرحيات ما يسمى «الربيع العربي»، أي أنها ليست بعيدة عن الجرائم الصهيونية، لا بل عايشتها، وربما دفعت، كغيرها، فاتورة الجرائم الصهيونية التي طالت وطنها الأردن أيضاً، كما طالت فلسطين والشعب الفلسطيني، ومعظم الدول والشعوب العربية.
واستقالة ريما خلف من منصب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، بعد قرار الأمين العام للأمم المتحدة سحب تقرير أصدرته اللجنة قبل أيام، يدين الاحتلال «الإسرائيلي»، تقدم دليلاً قوياً على أن الشرفاء من هذه الأمة، وإن حوصروا إلا أنهم يبقون ضمير الأمة، وعقلها السياسي، فالمنصب الذي كانت خلف تشغله، يكافح الكثيرون للوصول إلى عتباته، وربما يقدمون الغالي والنفيس للوصول إليه، لكن لريما خلف حساباتها الخاصة، التي أثبتت من خلالها أنها لا تنظر بعين المصلحة الخاصة، وإنما من خلال وعي سياسي، وضمير وطني، حبذا لو تمَثله كل العرب، داخل بلدانهم وخارجها، وأن يتحلوا بذلك الوعي السياسي، والغيرة الوطنية، والأخلاقية، فها هي السيدة خلف تقول في حفل إطلاق تقرير «الإسكوا» الذي حمل عنوان «التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية» في تونس، في فبراير/شباط الماضي، إن «أشكال الاستباحة الخارجية للحقوق والكرامة العربية تتعدد، ويبقى أسوأها الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين والجولان السوري، وأراض لبنانية.. احتلال يستمر من دون رادع في خرق سافر للقرارات والمواثيق الدولية».
والحقيقة أن الدكتورة لم تفاجئنا بذلك الموقف الوطني والأخلاقي الشجاع، فهذه السيدة الفاضلة كانت منسجمة مع قيمها الأخلاقية والإنسانية العالية، قبل مواقفها السياسية المعروفة، عندما تمسكت بتقرير منظمتها الذي يؤكد «إن «إسرائيل» أقامت نظام فصل عنصري يهدف إلى تسلط جماعة عرقية (اليهود) ضد أخرى»، وطالبت ب«تفكيك هذا النظام العنصري «الإسرائيلي» قبل أي حديث عن حل الدولتين، أو حل الدولة الواحدة، أو أي حلول أخرى، وإحالة «إسرائيل» إلى محكمة الجنايات الدولية».
والدكتورة خلف تؤمن، مثل الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا العربي الذي يعاني الاضطهاد، أن كلمة الحق يجب أن تقال، وأن الحق، كل الحق، يكمن في فضح الكيان الصهيوني الغاصب، وتعريته أمام العالم.
وأخيراً، وليس آخراً، لابد من توجيه التحية على لسان كل عربي لهذه السيدة المناضلة، التي صرخت في صحراء الصمت العربي المهين، في وجه أكبر مسؤول أممي، قائلة: كفى!
لاسيما وأن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، سبق له مراراً أن غازل الصهاينة، وآخرها عندما زعم بأحقية اليهود في المسجد الأقصى، عندما زعم أنه كان معبداً يهودياً، ولذلك، فإن استقالة خلف تمثل صفعة قوية لكل من يتجاهل الحقوق العربية، أياً كان موقعه، وانتماؤه السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"