استهداف الشباب العربي

01:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
سلطان حميد الجسمي

مما لا شك فيه أن ما يسمى ب«الربيع العربي» الذي اجتاح بعض البلدان العربية قد حمل معه رياح الشر العاصفة، فأفسد أنظمة ومؤسسات ودولاً، وشرد الملايين من البشر، وراح ضحاياه الآلاف بين قتلى وجرحى. وعلى الرغم من أن بعض المحللين السياسيين ادعوا أن هذا «الربيع العربي» أتى من وجدان الشعوب العربية، إلا أن هذا التحليل لم يكن دقيقاً، كما أن نتائجه لم تكن خيراً وسلاماً على الشعوب العربية، بل خدمت هذه الرياح العاتية استراتيجيات خبيثة من استخبارات دول أجنبية ومنظمات دولية وخلايا نائمة، كان همها الوحيد هو إغراق المنطقة في فوضى عارمة، وضرب استقرارها، وتدمير مؤسساتها، وبعد الربيع الأغبر تحركت العقول العربية الواعية؛ لتثقيف وتوعية الشعوب بمخاطر الفوضى والعبث بالاستقرار، بعدما تيقنت أن «الربيع العربي» كان صفيحاً ساخناً لا خير فيه، وقد أدى إلى انفلات أمني في الدول التي حدث فيها، وما زالت تعانيه إلى اليوم، وأن هذا «الربيع» ما هو إلا فوضى دخيلة من قوى الشر التي تريد تدمير الأوطان وفرض الهيمنة عليها ونهب خيراتها، كما هو حال العراق بالأمس وحال سوريا وليبيا اليوم.
إن استهداف الفكر العربي أصبح اليوم مختلفاً تماماً، ولم يقتصر على إشعال نيران الحروب فقط، وهو الاستهداف الفكري لعقول الشباب العربي عن طريق الأجهزة الرقمية والتطبيقات والألعاب الإلكترونية؛ حيث نجد اليوم وللأسف استحواذ الأجهزة والألعاب الإلكترونية على الفئات العمرية من 7 سنوات إلى 30 سنة، وبعض هذه الفئات لا تتحلى بالوعي والحصانة، كما أن هذه الأجهزة غير قابلة للرقابة من الحكومات والمؤسسات؛ بسبب الشبكة العنكبوتية المفتوحة، فيجد الشاب نفسه فريسة سهلة للمنظمات الإرهابية أو الذئاب المنفردة لتغيير أفكارهم ومبادئهم، وغرس التطرف والتعصب والكراهية فيهم. وبسهولة تستطيع المنظمات المتطرفة تكوين جيش من هؤلاء الشباب في أي دولة من هذه الدول التي تفتقر فيها العقول إلى الثقافة الواعية بمخاطر الجيل الجديد من الألعاب الإلكترونية أو التطبيقات على الهواتف الذكية، والتي يسهل فيها التواصل المباشر مع الشباب.
جيش «داعش» الإرهابي مثال حي اليوم على استقطاب المرتزقة من الدول العربية والإسلامية ومن بقية دول العالم، فقد استهدفوا فئة الشباب؛ لتجنيدهم لأهداف المنظمات والدول التي دعمت هذا الإرهاب في الشرق الأوسط في بداية الربيع العربي، ولا سيما أن «داعش» اليوم فعال رغم أن الإعلام العالمي صرف الانتباه عن الجرائم الإنسانية التي يقوم بها هذا التنظيم الإجرامي الذي تأسس لخدمة مصالح قوى الشر. وجيش «داعش» الإرهابي تم تجنيده من خلال الأنظمة الإلكترونية، وعن طريق المواقع والألعاب الإلكترونية، وتطبيقات التعارف في الأجهزة الذكية، وغيرها من الأنظمة الإلكترونية التي تتيح التواصل المباشر بين قادة هذا التنظيم، والشباب الذي يبحث عن مكان يعيش ويستقر فيه في مقابل حياة أوهموه أنها حياة كريمة، والثمن هو قتل وتهجير الناس، رغم أن «داعش» وكما يعرفه العالم أداة لمنظمات دولية واستخبارات دول عظمى، هدفها زعزعة الأمن في الشرق الأوسط؛ لأن أغلب قوات «داعش» المرتزقة تم تجنيدهم من خلال التجنيد الإلكتروني.
على المؤسسات الرسمية والاجتماعية والدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني أن تبذل مزيداً من الجهد؛ لتوعية الشباب وحمايتهم من آفة هذا الإرهاب الخطِر، الذي تحول للأسف سرطاناً ينتشر بسرعة، وينشر سمومه، ويغزو الفكر في سبيل تجنيد أكبر عدد من الشباب العربي لتدمير أوطانهم بأيديهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"