قمة الـ «20».. الاستجابة للتحدي

02:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

جاء انعقاد قمة العشرين التي دعت اليها المملكة العربية السعودية، كأفضل استجابة عالمية على هذا المستوى لمواجهة جائحة كورونا التي تهدد البشرية بغير تمييز بين مكوناتها. وكانت الدول الكبرى قد تلكأت على مدى عشرة أسابيع، وسط صدمة انتشار الوباء في بلدانها، عن التنادي لتعاون دولي فعّال، واتخاذ ما يلزم في إطار جماعي للحد من تفشي المرض وضمان توفير المستلزمات والمعدات الوقائية والطبية، علماً أن التحدي يواجه الجميع، ويتطلب إطفاء سائر بؤر المرض على امتداد القارات الست.
وقد نجحت القمة في الإجابة عن التحديات الراهنة والمستقبلية، وأبدى قادة نحو عشرين دولة استعدادهم لعمل كل ما يُقتضى عمله، بما في ذلك الالتفات إلى الدول الضعيفة والفقيرة وتمكينها من التغلب على انتشار المرض، والدعوة إلى تجميد ديون الدول الفقيرة (لبنان مثلًا! علماً انه لم ترد أسماء دول في البيان الختامي للقمة) والنظر إلى المخاطر التي يتعرض لها اللاجئون والنازحون في هذه الظروف وأهمية مد يد العون لهم وعدم تركهم لمصيرهم.
وفي السياق نفسه أبدت القمة استعدادها لتوسيع صلاحيات منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وهي خطوة جيدة، إذ من الأهمية بمكان تمكين هذه المنظمة الأممية، من أداء دورها بغير عائق في جمع المعلومات والبيانات وتحديد الأولويات، وتعيين المهام اللازمة والعاجلة كي تقوم الدول بواجبها في مكافحة المرض في إطار من التعاون والتكامل مع دول أخرى وحيثما تقتضي الحاجة. وقد كان أمراً لافتاً أن منظمة الصحة العالمية تشكو من عجز في ميزانيتها، ولعل هذا العجز قد أعاقها عن أداء بعض مهامها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما تنبه له قادة الدول الكبرى أخيراً تحت ضغط المخاوف من انتشار الوباء. وليس من المبالغة القول إن مهام عظيمة تنتظر هذه المنظمة إلى جانب منظمات أخرى كمنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة رعاية الطفولة (اليونيسيف) إذ إنه لا أمن ولا سلام ولا استقرار في عالمنا إذا لم يتم التجنيد وتعبئة الموارد وحشد الصفوف لمواجهة وباء كورونا، وإذا لم يترافق ذلك مع تأمين الغذاء للفئات الأشد فقراً وعوزاً، في كل مكان، إذ إن التراجع الاقتصادي المرافق للوباء سوف يصيب هذه الفئات بمقتل، إذا فتك بها لا سمح الله وباء الجوع، وهو ما تنبهت له قمة العشرين، وبالذات الدول الكبرى في جملة التوجهات التي أعلنت عنها.
إن البشرية تمر في منعطف حاسم لا سابق له. ومن وصف هذا الوباء بأنه أسوأ من حرب، فإنه لم يجانب الصواب. فثمة عدو مرئي يشن حرباً شاملة على البشرية من دون أن يتعرض هذا العدو لخسائر تُذكر، ومن غير حاجة لاستخدام أسلحة فتّاكة ومن دون التقيد بأية ضوابط للحروب مما يعهده البشر. وقد تنبهت الدول الكبرى إلى أن سباقها إلى التسلح والتنافس على الاكتشافات العلمية وعلى الصناعات التقنية المتطورة، سوف يظل بلا طائل في غياب توفير ميزانيات كافية لمختبرات الأوبئة والأمراض المُعدية السارية. إذ ثبت أنه رغم كل الإنجازات الهائلة التي تحققت في ميادين العلوم، فإن الأوبئة ما زالت تترصد بالبشر، بما في ذلك الدول والمجتمعات المتقدمة. كما تبين أن البشر رغم كل الفوارق والاختلافات العرقية والثقافية وتفاوت المستويات الاقتصادية، فإن مصيراً واحداً يجمعهم. وهو درسٌ بليغ تكفلت أزمة كورونا بإضاءته أمام كل ذي عينين وأذنين.
وإنه ليس ثمة بالتالي من حواجز بين البلدان والدول، وإذا أمكن وضع عراقيل شديدة امام طالبي اللجوء الإنساني من ضحايا الحروب والصراعات، في السنوات القليلة الماضية، فإنه لا حاجز يقف أمام هجرة الأوبئة واجتياحها كل حصون الحدود.
والآن بعد نجاح القمة العشرين في الالتئام أولاً عبر الفيديو بمبادرة ممتازة من القيادة السعودية، ثم في تحديد المهام والاستجابة للتحدي، فإن الأنظار تتطلع إلى قيام الدول الأعضاء في المجموعة بخاصة الدول الكبرى، بترجمة مخرجات القمة بصورة متكاملة وفعّالة بحيث تتضافر المعالجات الصحية والاقتصادية معاً، ويكون رائدها العمل وفق أجندة دولية عامة وشاملة تتعامل مع مواطن الضعف والخطر أينما وجدت بصفتها تحدياً تنعكس آثاره السلبية على الجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"