هموم البشرية.. قفزة إلى المستقبل

00:11 صباحا
قراءة 4 دقائق

د.مصطفى الفقي

يجدر بنا أن نفكّر طويلاً، وأن نتأمل ملياً بما يحيط بمستقبل الجنس البشري من تحديات ومشكلات، ولعل أولها على الإطلاق هو ما يتصل بالأزمات الطارئة والمشكلات المزمنة وغيرهما من العقبات التي تلوح في الأفق، وتنذر بمتاعب ومصاعب تضاف إلى هموم الجنس البشري الحالية، وكما جاء في الذكر الحكيم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) فإن ذلك يعني أنه قد كُتب علينا المعاناة والمشقة، فالحياة سلسلة متصلة من الضغوط والاختبارات الصعبة والمواقف الحادة؛ لذلك يجب التركيز في كافة دراساتنا على النظرة المستقبلية، واستشراف ما هو قادم، لأن الغد يحمل في طياته كل جديد أو غريب أو عجيب؛ بحيث أصبح التنبؤ بما نحن مقدمون عليه أمراً شديد الصعوبة يحتاج إلى قدرةٍ كبيرة على المضي وراء النهج العلمي لطرح التوقعات، ومناقشة الاحتمالات.

 ويهمني هنا أن أطرح مجموعة من القضايا الكبرى التي تهدد الجنس البشري وتستنزف جهوده، وتطيح إنجازاته، أختار منها الموضوعات المهمة التي تحتاج إلى مواجهة عاجلة ومنها: تغير المناخ ونقص الطاقة وشح المياه وتلوث البيئة والزيادة السكانية الإجمالية على مستوى الكون، وأمراض التكنولوجيا الحديثة والحرب الاقتصادية الحالية فهذه العناصر السبعة تشكل حاجزاً عنقودياً بين الإنسان وآماله وتطلعاته، وسوف أحاول مناقشة كل تحدٍ مما ذكرناه:

أولاً: أصبحت التغيرات المناخية حقيقة واقعة، تستدعي الكوارث الكبرى بما في ذلك السيول الجارفة والحرائق الضخمة التي تطيح الأشجار والغابات والبيوت والبشر؛ إذ إن درجات الحرارة في كثيرٍ من مناطق العالم، قد بدأت تخرج عن معدلاتها الطبيعية، وتأتي بأرقامِ غير مسبوقة انخفاضاً وارتفاعاً، وهو أمر نجمت عنه كثير من الأضرار لشواطئ البحار مما أدى إلى نحر اليابسة، وهو أمر يهدد المدن والعمران على المدى الطويل، ويترك بصمات على الخريطة التي عشنا في ظلها آلاف السنين.

ثانياً: إن نقص الطاقة هو أحد الأمور التي تقلق المعنيين بشؤونها والدارسين لمصادرها التي بدأت تتناقص مع مر السنين، فالطاقة السائلة والغازية والكهربائية والنووية هي قضايا مفتوحة غير محسومة، نظراً لتأثيرها على الجنس البشري في كل مكان، وحين تنخفض درجات الحرارة فإننا نشعر بأهمية الطاقة في حياتنا، فهي مصدر أساسي لديمومة الحياة، كما أنها وقود الوجود، ولاشك أن ندرة الطاقة أحياناً مؤشر خطر يهدد التنمية؛ بل ويهدد الحياة ذاتها، وينذر بأوخم العواقب.

ثالثاً: قالوا إن القرن العشرين كان قرن النفط والصراعات حوله، وأن القرن الحادي والعشرين هو قرن الصراعات حول المياه، ولو نظرنا إلى الخريطة العربية فإننا نرى أزمة نهر الفرات بين تركيا وجيرانها في العراق وسوريا، وأزمة نهر النيل بين مصر والسودان في جانب، وإثيوبيا في جانب آخر، وواقع الأمر أن حروب المياه هي واحدة من التوقعات التي تلوح في الأفق ليس في الشرق الأوسط وإفريقيا وحدهما، ولكن حول أحواض الأنهار في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من مناطق العالم المهددة بالعطش، وتوقف التوسع الزراعي وانهيار برامج التنمية، فالمياه هي عصب الحياة.

رابعاً: إن أكثر من سبعة مليارات نسمة بفضلاتهم وإفرازاتهم، فضلاً عن عوادم السيارات والقاطرات والطائرات هي كلها بعض العناصر المؤثرة في البيئة، والمؤدية إلى كثيرٍ من الأمراض والتي بدأت تغزو حياتنا؛ بل إن هناك عواصم كبرى تعاني بعض أجوائها زيادة نسبة الرصاص فيها، الناتج عن عوادم المصانع وأبخرة المسابك، وكلها مظاهر للتقدم الصناعي يصعب تجنبها.

خامساً: ارتبط ظهور وباء كورونا بالكثير من الكتابات المتشائمة التي تتحدث عن ضرورة تخفيض أعداد الجنس البشري الذي أصبح يزيد على سبعة مليارات نسمة، ومع ذلك فقد بدأ الكثير من العلماء يجاهرون بضرورة تخفيض عدد السكان في الدول التي تعاني زيادتهم، لأن الأمر أصبح يمثل خطراً حقيقياً على مستقبل الجنس البشري؛ بحيث عدنا إلى النظريات المتشائمة في علم السكان.

سادساً: إن أمراض التكنولوجيا الحديثة لا تتوقف عند حد، والتقدم الهائل في وسائل الاتصال يحمل في طياته بعض السلبيات، فهو يفتح ملفات ساخنة في وقت واحد ويضع الجنس البشري أمام مزيد من الخوف والترقب، كما أن التكنولوجيا الحديثة قد قضت إلى حد كبير على الحياة الاجتماعية ومظاهر الدفء الإنساني، وأصبحنا أمام حالة من التصحر والجفاف ونقص أسباب المودة وأواصر العلاقات الإنسانية المعتادة.

سابعاً: لقد انتهت الحرب الباردة بين كتلتين وهي حرب استمرت عشرات السنين، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد تولدت حرب اقتصادية تسيطر على العالم، خصوصاً ما يتصل منها بالعلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في جانبها التجاري والمالي؛ بل والتقني أيضاً؛ وذلك يعني ببساطة.. أننا مهددون بحالة من عدم الاستقرار وبأزمات اقتصادية طاحنة ومشكلات دولية قد يطول أمدها.

هذه قراءة عامة في بعض أوراق المستقبل ولكنها تؤكد جميعها أن علينا التوقف عن اجترار الماضي، والاستعداد للمستقبل برؤية شاملة ونظرة متكاملة ووعي بكل ما يحيط بنا.

الطاقة السائلة والغازية والكهربائية والنووية قضايا غير محسومة نظراً لتأثيرها على الجنس البشري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"