التصدّع أدرك إخوان الأردن

02:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

تأسست جبهة العمل الإسلامي في الأردن في العام 1992، مع صدور قانون جديد للأحزاب رَفَع الحظر عن أحزاب قديمة، وسمح بنشوء أحزاب جديدة. جبهة العمل نشأت كذراع حزبية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن التي تشكلت في العام 1945، وظلت تضم أعضاء من فلسطين والأردن حتى أواخر العام 1974 في أعقاب فك الارتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضفة الغربية المحتلة، حيث استقلت الجماعة في الأردن عن الجماعة في فلسطين، وهو ما جرى مع أحزاب أخرى، مثل الحزب الشيوعي.
ومع تشكيل جبهة العمل الإسلامي فإن أعضاء جماعة الإخوان وقيادتهم أصبحوا أعضاء حكماً في جبهة العمل. وقد أصبح للإخوان عملياً تنظيمان باسمين مختلفين، ومع هذه الازدواجية التنظيمية ظلت الحركة الإسلامية في الوقت نفسه جسماً واحداً.
وبينما أنيط بجبهة العمل تمثيل الإخوان حزبياً وسياسياً، فإن الجماعة لم تكف عن مزاولة الشأن السياسي، ولم تنصرف للعمل الدعوي دون غيره، كما كان مفترضاً، وكما يقضي منطق الأمور، حيث تأسست الجماعة في الأصل كجمعية خيرية.
وقد ظلت الحركة متماسكة رغم ذلك، إلى أن شهدت أول وأبرز انشقاق في العام 2001، وقد تشكل بموجبه حزب الوسط الإسلامي الذي أخذ يشارك في الانتخابات البرلمانية، وانضم عدد من قياداته إلى حكومات أردنية. إلا أن الحركة الإسلامية، ممثلة بالإخوان وجبهة العمل، احتفظت مع ذلك بالعدد الأكبر من أعضائها، بل وتصدرت أحزاب المعارضة، وقد نسجت خلال فترة التسعينات وحتى العام 2011 علاقات واسعة مع طهران ودمشق، على خلفية موقفها الرافض لمعاهدة السلام الأردنية «الإسرائيلية» (1996). رغم أن الحركة احتفظت لعقود بعلاقات وثيقة مع الحكومات الأردنية، وقد حظيت بدعم هذه الحكومات منذ العام 1952 تاريخ اتحاد الضفتين الغربية والشرقية، في مواجهة المد القومي واليساري الذي أخذ يكتسح المنطقة منذ ذلك التاريخ.
وقد شهد العقد الأول من الألفية الثالثة اضطراباً شديداً في علاقة الحركة بالحكومات الأردنية، على خلفية علاقة الحركة (جبهة العمل وجماعة الإخوان) بحركة حماس، ما احتُسب علاقة سياسية وتنظيمية للحركة بحركة غير أردنية، بما لا يتناسب مع قانون الأحزاب الذي يحظر هذه العلاقات مع أطراف خارج الحدود. وعلى هذا، نشأ تيار داخل الحركة يرفض العلاقة مع حماس، وهو ما عرف لاحقاً بتيار "زمزم" الذي يغلب الشؤون الوطنية الداخلية على الانشغالات القومية والإسلامية العابرة للحدود.
هذا التيار اعتبر نفسه انه الأحق بتمثيل جماعة الإخوان، وقد شهد العام الماضي انشقاقاً واسعاً قاده عبدالمجيد ذنيبات، ونشأت بموجبه جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وحظي هذا الانشقاق بقبول حكومي، كما شهدت أروقة المحاكم نزاعات قضائية حول مقر الجماعة وأملاكها.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة استقالة المئات من أعضاء جبهة العمل، بينهم قياديون سابقون، وعلى خلفية رفض التحكم بالقرارات والانفراد بها. ورغم أن هؤلاء المستقيلين أعربوا عن تمسكهم بالبقاء ضمن جماعة الإخوان، فإن هذا التصدع ألقى بظلاله على جماعة الإخوان التي باتت تواجه تحديات تنظيمية جسيمة، مع ضمور تأثيرها، هي وجبهة العمل في الحياة السياسية العامة، ومع اضطراب خطابها في هذه المرحلة، إضافة إلى ما أصاب الحركة الإسلامية في عموم المنطقة من تحولات وضمور التأثير في السنوات القليلة الماضية، ما كان له انعكاس بطبيعة الحال على الحركة في الأردن التي ظل يُنظر إليها باعتبارها من أكبر التنظيمات الإخوانية في المنطقة بعد مصر.
على أنه ظل يؤخذ على الجماعة الأردنية جمودها الفكري، وعدم قيامها بأية مراجعة، أو تجديد على مدى سبعين عاماً، وعجزها عن تقديم أجوبة حول حقوق المواطنة بالنظر لمخاطبتها المسلمين من دون غيرهم، لدرجة أن وزير الخارجية الأسبق، مروان المعشر، قصد مقر الجماعة مؤخراً في قلب عمّان وألقى محاضرة أمام حشد من أعضاء الإخوان، تساءل فيها بين أمور أخرى عن الضمانات التي يمكن أن يتمتع بها، وهو المواطن العربي الأردني المسيحي، فيما لو تسلمت جماعة الإخوان سدة السلطة التنفيذية. وهي تساؤلات لا إجابة عنها، وتضاف إليها هواجس مخاطبة «الأمة الإسلامية» بدل مخاطبة المواطنين والأمة العربية، وكذلك الموقف شبه السلفي من النساء، وغلبة الذكورية وقيمها على الجماعة، إضافة إلى غلبة النزعة الريفية المحافظة، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن الجماعة غير مدينية، وأنها تقبع خارج المدن، رغم أنها تتخذ من قلب العاصمة مقراً لها. في واقع الأمر فإن الحركة لعبت دوراً في تراجع مكانة المرأة في المجتمع وفي الفضاء العام، خلال ربع القرن الماضي، ولا يفوت الإخوان فرصة من دون التبشير بالفصل بين الرجال والنساء، والذكور والإناث، في كل مكان (كانت بعض المدارس الحكومية في المرحلة الابتدائية التأسيسية تضم ذكوراً وإناثاً، وبتأثير من الجماعة ذات النفوذ آنذاك في وزارة التربية والتعليم تم تكرس الفصل بين الجنسين في التعليم الأساسي).
وجرياً على نهج الجماعة المحافظ الذي يناوئ كل تفتح، فقد دأبت الجماعة على محاربة المهرجانات الفنية والثقافية، ومنها مهرجان جرش الذي عرفت الأردن به، وبصفة عامة، فإن الجماعة تنظر نظرة شزراء إلى الآداب والفنون، رغم ما عرف به التراث العربي الإسلامي من ازدهار أدبي على مر العصور.
وها هي الحركة تدفع ثمن جمودها وانقطاعها عن التفاعل مع العالم الخارجي ومع التحولات التي يشهدها عصرنا. علاوة على الخلط بين ما هو دعوي وسياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"