التلوث عدو جديد في ماء وهواء لبنان

خطورته تكشف نسبة الإصابات المتزايدة
01:23 صباحا
قراءة 6 دقائق
قليل من التلوث في البيئة بات يعني الكثير من انتشار مختلف أنواع الأمراض والأوبئة بين اللبنانيين، لذلك كثرت التساؤلات مثل: أين سيقود تلوث المياه والشحّ فيها؟، وهل يمكن أن يقود الرشح وارتفاع حرارة الجسم الناتجان عن التلوث، والتقلبات المتسارعة في اتجاهات الهواء والرطوبة الى اكتشاف أن أحد الأشخاص يكون حاملاً لفيروس السيدا سيروبوزيتيف بحيث تخف مناعته بمرور الوقت، ويصبح بالتالي عرضة للاصابة بجراثيم وأمراض متعددة منها التهاب الرئة، مثلاً؟ كما تتساءل الدكتورة نهى عيراني رئيسة المختبر في مستشفى السان جورج، والأستاذة في جامعتي اليسوعية والبلمند، بعد أن عملت سابقاً مسؤولة عن بنك الدم في الصليب الأحمر اللبناني.يجمع الأطباء والخبراء على أن تلوث البيئة في مياه البحار والأنهار والبحيرات، كما في الهواء يُعتبر مصدراً أساسياً لإصابة الأشخاص بمختلف انواع الأمراض، وإن كانوا يجهلون غالباً الأسباب. ويستحضر بعض الاختصاصيين ما تعرضت له كوكب الشرق أم كلثوم منذ ما يزيد على نصف قرن حين قصدت الولايات المتحدة للعلاج من داء مجهول أصابها بواسطة الاشعاع الذري، وهو سائل يستحيل التفريق بينه وبين المياه. اليوم تبدلت العلاجات، بعدما تبين ان التلوث البيئي أدى الى اصابة أم كلثوم بالداء المجهول، وبالتالي جرت مئات التجارب والاختبارات للحد من انتشار التلوث إن لم يكن القضاء عليه قبل استفحاله.ولاحظ هؤلاء أن المجال الأول يتعلق ببيئة مياه البحر خاصة، اذ يرى الخبير البيئي ويلسون رزق، المسؤول في مركز للرصد البيئي في بيروت، ان كثيراً من الأمراض التي معظمها مرتبط بالأجهزة العصبية للأشخاص، زادت بشكل يحثّ على الخوف والقلق، وذلك اثر استخدام اسرائيل في اعتداءاتها على لبنان، بعض المواد الفوسفورية السامة، وهي من النوع المحفّز على ارتفاع درجات التلوث في البيئة.وبحسب رأي رزق كانت نتيجة ذلك تزايد الاصابات بالتقيؤ، وضيق النفس، والاسهال الشديد، وربما، أحياناً، ببعض الأمراض المزمنة كالسرطان، على المدى البعيد، وهذا ما لاحظنا ظهوره وانتشاره بكثرة تدريجية في أعقاب عدوان يوليو/ تموز ولغاية الآن، كما يوضح مشيراً الى ان فحوصا مخبرية غير كافية أجريت على النفايات لمعرفة ما اذا كانت مثل تلك المواد ألقيت على مسافة تتعدى 200 متر من الأمكنة التي ألقيت عليها، أو حصول عواصف رملية شديدة جداً حولها.النائب في البرلمان اللبناني قاسم هاشم كشف ان تلوث البيئة في مياه الينابيع في الجنوب أدى الى ظهور مرض الصفيرَة، وانتشاره، خاصة بين طلاب مدرستي عين قنيا في حاصبيا، وشويا الجنوبيتين. يقول النائب هاشم: أجريت اتصالات سريعة بمصلحة الصحة في محافظة النبطية، وطالبت المعنيين فيها بالاسراع باتخاذ الاجراءات الصحية والوقائية لمحاصرة الوباء، وتعقيم غرف المباني في المدارس، وخزانات المياه والمراحيض فيها، اضافة الى اجراء عملية تلقيح لكافة الطلاب في البلدتين والقرى المجاورة. كما طلبت عبر مكبرات الصوت عدم استخدام مياه نبعي الحارة والضيعة. وللأسف، أكدت الفحوص المخبرية لبعض مصادر مياه الشفة في عين قنيا وشويا وجود تلوث فيروسي في بعض الينابيع.ولا تقتصر خطورة البيئة الملوثة في المياه على انتشار مثل تلك الأمراض والسموم، اذ انها تشمل أيضاً، كما يقول الخبير في الاعلام البيئي نجيب صعب مياه الصرف الصحي التي تروي مزروعات صحراء الشويفات مثلاً. ويوضح صعب بعض التفاصيل استناداً الى تقرير بيئي أصدرته مؤسسته، فيقول: ان فيضان فتحات الصرف الصحي في معظم أيام السنة في صحراء الشويفات، دفع ببعض المزارعين الى ريّ مزروعاتهم بالمياه المبتذلة. وفي المقابل فإن التقرير يشير الى نفوق 6 أبقار و64 ماعزاً في مزرعة للحيوانات في كفردينس بقضاء راشيا في البقاع. لكن الذي ساد في البداية ان ذلك كان ناتجاً عن غازات سامة داخل بالونات أطلقتها اسرائيل باتجاه المنطقة، لكن رئيس جمعية البيئة والانسان في المنطقة طليع خضر كشف عن أن الطبيب البيطري معن اسماعيل عاين الحيوانات وتبين انها أصيبت بالحمى القلاعية التي تنتج عادة عن التلوث في البيئة، وهي عبارة عن مرض فيروسي سريع الانتشار يصيب الحيوانات بشكل خاص ذات الظلف المشقوق، كالأبقار والأغنام والماعز والخنازير. وهو فيروس صادر عن تلوث في الهواء.وفي ما يتعلق بالمواشي النافقة التي تأتي بها مياه نهر الغدير الى البحر من المزارع في منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع ما تحمله من بكتيريا وفيروسات وجراثيم، أكد ذلك التقرير ان الحيوانات النافقة لا تتواجد إلا عند مصب النهر، وأن معظم مزارع المواشي في حي السلم تنتشر على ضفافه.اضافة الى ذلك فإن الخبراء يحذرون من تلوث البيئة في مياه المواقع التي تظهر فيها الطحالب والأعشاب البحرية عند الشاطئ الجنوبي لمدينة صور، ويحذرون من انتشار العديد من أنواع الأمراض التي يسببها انبعاث الروائح الكريهة منها. بصمات قاتلة: من جهته لا يخفي رئيس نقابة الغواصين المحترفين في لبنان محمد السارجي، ومنسقة أنشطة منظمة جرينبيس زينة الحاج: الدور الأسود الناجم عن تلوث البيئة عند الشواطئ اللبنانية وفي البحر في التسبب بانتشار الكثير من انواع الأمراض في المدن والبلدات الساحلية المجاورة على امتداد الشاطئ من الشمال الى الناقورة جنوباً، ويؤكدان ان أحد أبرز أسباب ذلك الدور هي البصمات الاسرائيلية التي تركتها الاعتداءات والغارات الاسرائيلية على لبنان خلال العقود الأخيرة بشكل خاص، والتي أفرزت تلوثاً أدى الى انتشار الكثير من الأمراض المعدية بين سكان المناطق الشاطئية خاصة، ومنها الملاريا، والانفلونزا، والتيفوئيد، والحمى المالطية.في هذا المجال يوضح السارجي أن تلوث بيئة مياه البحر نتج خاصة عن تسرب كمية تتراوح بين 10 و15 ألف طن من النفط الى تلك المياه جراء قصف خزانات معمل الجيّة الحراري بين 13 و15 يوليو/ تموز خلال اجتياح اسرائيل للبنان في ،2006 ما أدى الى تلويث 22 موقعاً على طول الساحل الشمالي.وتشير الحاج الى أن حجم التسرب الفعلي لم يتم تحديده تماماً لغاية الآن بسبب الحصار الاسرائيلي الذي ما زال مفروضاً على لبنان، وتعتبر ان المناطق التي تعرضت لحجم أكبر من التلوث، وبالتالي من ظهور الأمراض بين سكانها وانتشارها الواسع، تتوزع بين صيدا وبيروت، وتحديداً عند وادي الزينة، حيث ما زالت تتواجد بقع نفطية بحدود خمسة أمتار ما زالت تسير حسب اتجاهات التيارات المائية والهوائية، اضافة الى المواقع الأكثر تضرراً عند مناطق: الجيّة، السعديات، والى الشمال من خليج منطقة الرملة البيضاء في بيروت، وعند الشاطئ الشعبي المقابل لمدينة جبيل بين بيروت وطرابلس شمالاً.في مواجهة ذلك لا يشكل تلوث البيئة في مياه البحار والأنهار والبحيرات، وغيرها من المصادر المائية، سبباً وحيداً لانتشار العديد من الأمراض، فثمة أسباب أخرى لا تقل خطورة وتهديداً لاصابة الكثيرين بأمراض مختلفة تتراوح بين ما هي مزمنة وخبيثة خاصة السرطان، وأخرى معدية وسريعة الانتشار تنتج عن النفايات والصرف الصحي، وسوء الفيتامينات وضعفها وعجزها عن شفاء المبتلين من الاصابة بتلوثها.ومن أبرز الأمراض الناتجة عن تلوث البيئة الناجم بشكل أساسي عن قلة النظافة، أو انعدامها في معظم الأحيان، ما يجمع الأطباء الأخصائيون على حصره بالتيفوس، والملاريا، والشمبانيا الجلدية والحشوية والجرب، والأكزيما، والفقاع ونظير الفقاع، والانثان الثانوي، والتهاب الكبد والكلى اضافة الى الاصابة بالسرطان والبدانة المرضية، بفتح الميم والراء، في أغلب الأحيان.والاصابات السرطانية تبقى من أكثر الأمراض صعوبة في معرفة أسبابها، وتحديد مدى علاقة تلوث البيئة بحصولها، فأمر كهذا كان وما زال على مرّ العصور مجهولاً، ويصعب تحديده والتوصل الى أية نتائج مرجوة لعلاجه وتجاوزه، وما يزيد من ضبابية الوضع وغموضه هو اكتشاف تلك الاصابات بصورة مفاجئة، وهذا ما تؤكده المسؤولة في مركز سرطان الأطفال في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتورة ريا صعب.وفي هذا الإطار يربط وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة بين وجوب دراسة الظروف البيئية، وحجم ما تكشف من تلوث في طريقة عيش أي مصاب بمرض السرطان، لكن المؤسف ان المرضى المصابين وأهاليهم لا يتقيدون بذلك، وبانتظار اجراء تلك الدراسة، والكشف عن نتائجها، فإن أمراضاً عدة أخرى تظهر عوارضها بصورة مفاجئة في أغلب الاحيان.وتوضح المطربة ماجدة الرومي من موقع تطوعها في المؤسسات المعنية بمرض ترقق العظام ان من أبرز أسباب حصول ذلك التلوث هو النقص في الفيتامينات لدى جسم المصاب، خاصة فيتامين دي، لأنه يحدث سوء امتصاص للكالسيوم، وعدم انتظام في افراز هرمون الغدد المسمى باراتيرويد، الأمر الذي يؤدي الى ارتشاف الكتلة العظمية، كما الى نقص كثافة العظام وازدياد هشاشتها.وتؤكد الرومي وجود علاقة وثيقة بين تلوث البيئة وكثرة انتشار مختلف الأمراض، بما فيها ترقق العظام، نتيجة النقص في الفيتامينات، وسوء تناولها، أو التعاطي معها بصورة عامة، وهي تجمع مع مختلف الأوساط والمصادر الطبية والصحية والعامة، على التأكيد على علاقة التلوث بالانتشار المتزايد للمصابين بأمراض القلب، والسمنة المفرطة، وضغط الدم والسكري وغيرها العديد من الأوبئة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"