عادي

المذيع الداخلي صوت الملاعب

15:29 مساء
قراءة 7 دقائق
انجلترا

إعداد: معن خليل
أصبح المذيع الداخلي وسيلة مهمة في كرة القدم لبث الحماس بين الجماهير، ووظيفته لم تعد كما كانت في السابق مقتصرة على قراءة تشكيلة اللاعبين والنداء بأسمائهم لينالوا الترحيب اللازم من قبل المتفرجين، بل تطورت ليصبح «المشجع الخفي»، ويشكل ديسيبيل بيلليني مذيع ملعب سان باولو( استاد دييغو مارادونا حالياً) الخاص بنادي نابولي الإيطالي أكبر مثال على مدى الدور المؤثر الذي يمكن أن يلعبه من يطلق عليه «صوت الملاعب».
ما يفعله بيلليني جعله المذيع الرقم واحد في ملاعب العالم، حيث تنقل وسائل الإعلام المختلفة طريقة كلامه وصوته الجهوري لبث حماس مدرجات نادي الجنوب الإيطالي، ويقال إنه الوحيد من بين أقرانه الذين يعملون في هذه الوظيفة في استادات كرة القدم القادر على تحويل ملعب فريقه إلى «جحيم» موجه ضد المنافسين.

الصورة
مذيع

ويعد بيلليني أصغر مذيعي الاستادات نسبياً فهو مولود عام 1980، وقد عشق المهنة مبكراً، وقد ساعده على إتقان مهنته أنه كان يعمل في إحدى الإذاعات المحلية، قبل أن يتم اختياره ليصبح صوت ملعب سان باولو(استاد دييغو مارادونا حالياً) الذي يعد جمهوره الأكثر شغفاً في العالم.
ويختصر بيلليني نجاحه بالقول: «أنا فقط أنقل مشاعر الاستاد، وقيمة هذا العمل تكون أكبر من أي جهة أخرى».
 وكانت أكثر أفعال «مذيع ساوباولو» هي ترديده لاسم المهاجم «غونزالو» 9 مرات متتالية، لترد عليه الجماهير بترديد الاسم الثاني «هيغوايين» ليهز اسم الأرجنتيني عندما كان يلعب مع نابولي أرجاء الملعب بأسره، وهو ما أطلقت عليه الصحافة «زلزال 9 درجات»، وقد انعكس تألقاً لافتاً لهيغوايين الذي توج هدافاً للدوري الإيطالي، قبل أن ينقلب حب الجماهير لهذا اللاعب إلى كراهية بعدما قرر الرحيل إلى العدو اللدود يوفنتوس.
ولأهمية الدور الذي أصبح يضطلع به بيلليني، فقد كان من أوائل الذين قادوا حملة ضد هيغوايين بعدما كتب في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» مايلي:« في بعض الأحيان نعشق أحدهم لكنه يرفض ذلك العشق».
واستطاع بيلليني بسرعة البديهة لديه أن يصنع للجماهير نجماً محبوباً، ولم يكن سوى بديل هيغوايين المهاجم البولندي أركاديوز ميليك القادم من أياكس أمستردام الهولندي، والذي أثبت حسه التهديفي بسرعة وأكد أنه خير خلف للمهاجم الأرجنتيني قبل أن يرحل مؤخراً إلى مرسيليا الفرنسي.
ورغم صعوبة نطق الاسم البولندي للإيطاليين، ظل بيلليني يصيح «ميليك.. ميليك»، والجماهير تردد وراءه الاسم.
فيتش التاريخي
وإذا كان بيلليني الأفضل في الجيل الحالي من المذيعين الداخليين للملاعب، فإنه لا يمكن نسيان رموز طبعوا الماضي بحضورهم الجذاب والمحبب ومنهم مانيل فيتش «صوت الكامب نو»، ملعب برشلونة الإسباني، والذي كان من أوائل الذين مارسوا المهنة وذلك عام 1956 وظل صوته يصدح في حب النادي الكتالوني حتى وفاته في 2016، ليسدل الستار على من بقي في الخدمة على مدى 60 عاماً.

الصورة
فيتش

واشتهر فيتش، الذي توفي عن عمر 78 عاماً بعبارته الافتتاحية قبل بداية المباريات في استاد «الكامب نو»:«مساء الخير ومرحباً بكم في الملعب»، وهي العبارة التي ظلت ماركة مسجلة باسمه.
وبدأ فيتش عمله مع برشلونة منذ أن كان النادي الكتالوني يخوض مبارياته في ملعبه القديم «كامب دي ليس كورتس»، ثم عاصر فترة بداية «الكامب نو» الذي دشن عام 1957 ويعد من أكبر ملاعب أوروبا، وعلى مدار السنوات الـ60 من عمله لم يغب صوته سوى ثلاث مرات فقط، أولها عند زواج ابنته وثانيها وثالثها بسبب دخوله المستشفى لإجراء عمليتين للكلى.
ويروي الراحل فيتش دخوله إلى مهنة مذيع الاستاد بالقول: كنت أعمل عام 1956 كمقدم رياضي في إحدى الإذاعات وقال لي مدير ملعب كامب دي ليس كورتس: ليس لدينا من يذيع تشكيلة الفريق خلال المباريات، فلماذا لا تقوم أنت بذلك، ومنذ ذلك الوقت أصبحت المذيع الرسمي لبرشلونة.
وبالنظر إلى شهرته، فلقد أهداه البرازيلي رونالدينيو النجم السابق للفريق الكتالوني أحد أهدافه، أما المخرج الهولندي يوهان كرامر فقد صور فيلماً وثائقياً عنه بعنوان «صوت برشلونة».
ثاني المذيعين شهرة بعد فيتش هو جورج ستيفن مذيع ملعب نادي ليفربول الإنجليزي الشهير البالغ من العمر 75 عاماً قضى 45 منهم وهو يحمل «الميكروفون» الداخلي لـ«الأنفيلد رود» معقل فريق «الريدز»، ليكون بذلك أطول من يعمل بهذه المهنة في الملاعب البريطانية.

ولد ستيفن عام 1946 وبدأ عمله قي منصب المذيع الداخلي لملعب «أنفيلد رود» عام 1971 خلال مباراة ليفربول في مواجهة نوتنغهام فورست، ومنذ ذلك الوقت أصبح صوته أساسياً قبل وأثناء وبعد كل مباراة للفريق داخل ملعبه، وهو عاش إنجازات «الريدز» الخالدة وكان شاهداً على بطولات داخلية وخارجية، ولطالما أنشد مع الجماهير الأغنية الشهيرة «لن تسير وحدك أبداً».
ويشتهر جورج ستيفن أنه يعمل على تشغيل موسيقى متنوعة بصوت عال في «الأنفيلد» لشحذ الهمم وخلق أجواء حماسية في المدرجات، مما ينعكس بالتالي على اللاعبين، لذلك كان الاسكتلندي كيني دالغليش الأسطورة السابق للفريق من أوائل الذين أعطوه الصفة التي يستحقها عندما قال عنه «جورج هو جزء من تاريخ ليفربول».
والمفارقة أن جورج ستيفن يعمل في ملعب ليفربول بدوام جزئي أيام المباريات والأحداث المهمة فقط، إذ إنه موظف في إحدى الشركات، لذلك فإن إدارة النادي تجدد عقده كمذيع داخلي مع بداية كل موسم، ومع وصوله في 2014 إلى سن الـ68 عاماً ورغبته بالراحة طلب إعفاءه من مهامه، إلا أن إدارة ليفربول رفضت وتمسكت به وأقنعته بالبقاء.
ويملك مانشستر يونايتد العدو التاريخي لليفربول «صوت ملعب الأولد ترافورد»، وهو آلن كيغان المذيع الداخلي للنادي، لكن على عكس جورج ستيفن فإنه يعمل في منصبه منذ 25 عاماً، لكن ذلك لا يقلل من فخره باعتبار أنه يعمل في أكبر ناد في العالم.

الصورة
كيغان

ويقول كيغان: «أصدقائي من مشجعي اليونايتد يقولون لي إنني حصلت على أهم منصب في العالم، ويكفيني فخراً أنني أول من يعرف التبديل في ملعب أولد ترافورد، وما زلت أذكر كيف تفاعلت الجماهير مع صراخي عندما سجل بول سكولز هدفاً في شباك برشلونة في دوري أبطال أوروبا عام 2008».
مذيع ثالث نال شهرة هو علي ياسين صاحب الأصول الآسيوية، وقد برز رغم أنه يعمل مذيعاً لنادي كارديف سيتي الويلزي الذي بإمكانه اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز كون القوانين تسمح بذلك.
وكان ياسين مادة دسمة لوسائل الإعلام البريطانية المختلفة في 2015 بعدما قررت إدارة كارديف إنهاء خدماته بعد 14 سنة من العمل في الاستاد الخاص بالنادي، وذلك بعدما وظفت شركة متخصصة للقيام بنفس الأعمال التي كان يقوم بها.
وألف ياسين كتاباً يحمل اسمه ويتحدث فيه عن 14 سنة من كونه «صوت كارديف»، وهو عرف بحس النكتة وتمتعه بشعبية كبيرة بين الجماهير وإن كان مكروهاً من قبل المشجعين الخصوم، وقد ظهر حب الجماهير له عندما قررت الإدارة إقالته عام 2007 ثم تراجعت بسبب الاحتجاجات الشعبية.

الصورة
ياسين

ويقول علي ياسين: أنا مرتبط بكارديف سيتي وأشجعه، ولقد شعرت بخيبة أمل عندما تم إبعادي من منصبي، لكن في نفس الوقت الذي تم إبلاغي بقرار إقالتي ذهبت فوراً إلى شباك التذاكر واشتريت بطاقة لحضور لقاء فريقي المفضل مع فولهام، لكن هذه المرة من على المدرجات، وليس من داخل الملعب.
الصوت البافاري
وخارج بريطانيا، يبرز ستيفان ليمان المذيع الداخلي الملهم لجماهير نادي بايرن ميونيخ الألماني، وهو صاحب حضور مميز وممن أضفوا على المهنة روحاً من خلال صوته الجهوري الذي أكثر ما يظهر عند تسجيل الفريق البافاري هدفاً في ملعب «أليانز أرينا»، كما أنه هو من يردد الاسم الأول لكل لاعب من الفريق ثم يهتف المشجعون بالاسم الثاني.
وعندما نقول إن ليمان أدخل ثقافة خاصة في طريقة عمل المذيع الداخلي، فليس في الأمر مبالغة، حيث قام أسلوبه على إشراك المشجعين معه، ولنأخذ مثلاً ما حصل في إحدى المباريات التي لعبها بايرن ميونيخ ضد إنتر ميلان الإيطالي عندما سجل باستيان شفاينيشتايغر هدفاً، فردد مرتين الاسم الأول للاعب ( باستيان) وتبعه الجمهور في المدرجات بالاسم الثاني( شفاينيشتايغر)، ثم قال «هدف للبايرن»، ورد الجمهور(الأول)، ثم قال (إنتر ميلان) فرد الجمهور ( لاشيء)، وعاد لينهي حديثه ( شكراً) وليقول الجمهور ( جزيلاً).
وعمل ليمان مذيعاً لبايرن ميونيخ منذ عام 1995، وهو يمتهن أيضاً كتابة الأغاني والتمثيل المسرحي، وقد كتب كلمات «نجمة الجنوب» التي أصبحت الأغنية الرسمية للنادي البافاري الذي ينتمي لأحد أهم مناطق الجنوب الألماني.

الصورة
ستيفان

ولم يكن ليمان غريباً على بايرن ميونيخ حيث كان يعمل سابقاً في «راديو البايرن» قبل أن يقنعه أولي هونيس الذي أصبح لاحقاً رئيساً للنادي بالعمل مذيعاً داخلياً للملعب، ليحقق منذ عام 1995 نجاحات كبيرة جعلته يعمل مذيعاً للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» خلال مونديال 2006 الذي استضافته ألمانيا.
دور مؤثر
ولا يمكن الاستهانة أبداً بوظيفة المذيع الداخلي فهو يلعب دوراً مهماً في تحديد النتائج للفرق، وهناك الكثير من القصص حول ذلك، كما حصل في عام 2014 عندما وجه نيل وارنوك مدرب كريستال بالاس الإنجليزي اللوم للمذيع الداخلي لاستاد «سيلهورست بارك» الذي احتضن مباراة فريقه أمام نيوكاسل يونايتد في خسارة المباراة التي أقيمت ضمن منافسات كأس رابطة الأندية الإنجليزية.
ومما قاله وارنوك يومها إنه شعر بالرعب عقب إعلان الإذاعة الداخلية للاستاد أن الفائز من اللقاء بين كريستال ونيوكاسل سيواجه مانشستر سيتي حامل لقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس الرابطة آنذاك، بينما كانت المباراة لا تزال جارية، والتي انتهت بعد ذلك لصالح نيوكاسل 3-2.
ويعتقد وارنوك أنه لم يكن من المستحب أن يقول المذيع الداخلي مثل هذه الأمور، وهو ما تسبب في تشتيت تركيز لاعبيه، وقال «أعتقد أن هذا الإعلان كان السبب في ترك اللاعبين للهدف الأخير يسكن شباكنا...لم يكونوا ليرضوا بمواجهة مانشستر سيتي خارج ملعبهم».
ولكن المذيع الداخلي قد يلعب أحياناً دوراً إيجابياً، فخلال الفترة التي قضاها أوتو ريهاغل على رأس الجهاز الفني لنادي كايزرسلاوترن الألماني عام 1998، سقط في خطأ حين استدعى لاعباً أجنبياً ليشارك كبديل ولم يكن القانون يسمح إلا باللعب بعدد محدد من الأجانب، ولكن المذيع الداخلي قام بتنبيهه وقال «أوتو، عد اللاعبين الأجانب في فريقك»، لينتبه ريهاغل للأمر الذي كاد يتسبب في خسارته للمباراة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"