«القومية اليهودية».. شيفرة عنصرية بامتياز

04:07 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

في ظل النشوة التي يعيشها اليمين الصهيوني جراء نجاح مشروعه الاستيطاني وتعاظم الدعم الأمريكي بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة، وما تعانيه المنطقة العربية والحالة الفلسطينية من تشرذم وتصارع، مُرر «قانون القومية» في الكنيست كقانون أساس دستوري. ورغم ما عناه التصويت هناك من انقسام بين مؤيدين ومعارضين بفارق غير كبير، إلا أن اليمين اعتبر القرار تاريخياً ومفصلياً في الصراع العربي الصهيوني.
تبذل جهود فلسطينية وعربية، قضائية وسياسية داخل «إسرائيل» وفي الحلبة الدولية لإحباط «قانون القومية»، إلا أن النتائج حتى الآن ليست مشجعة ولم تترك آثاراً ملموسة على الأرض.
ولا بد عند الإشارة إلى قانون القومية اليهودية، من العودة إلى قرار التقسيم وقرار الأمم المتحدة بقبول عضوية «إسرائيل»، لملاحظة مدى انتهاكه للقانون الدولي. فالاعتراف ب«إسرائيل» كان مشروطاً بصيانة حقوق المواطنين العرب من جهة، والالتزام بالقرارات الدولية من جهة أخرى، وهو ما جاء قانون القومية لينسف استحقاقاته. فقانون القومية اليهودي ينص على أن ما يسميها «أرض إسرائيل» وهي أرض غير معرفة الحدود، تشمل ليس فقط كل أرض فلسطين التاريخية، وإنما أيضاً أراضٍ من كل الدول العربية المجاورة هي «الوطن القومي لليهود». ويشير إلى أن حق تقرير المصير على هذه الأرض، مقصور على اليهود وحكر لهم فقط، وأن تشجيع الاستيطان فيها قيمة عليا ينبغي تعزيزها.
وواضح أن هذا القانون ببنوده المختلفة ينسف الحق العربي التاريخي في فلسطين، ويصادر حق أهلها في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة، ويفسح المجال للعدوان على أراضي الدول العربية المجاورة واغتصابها. ولا يختلف كثيرون وبينهم المعارضون للقانون من بين الصهاينة أنفسهم على أن القانون يؤسس لنظام تفرقة عنصرية داخل «إسرائيل» من ناحية، ويسد الطريق أمام أي تسوية سياسية مع العرب من ناحية ثانية. وليس صدفة أن يعلن رئيس حكومة «إسرائيل»، بنيامين نتنياهو، بعد سن القانون أنه لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة غربي نهر الأردن.
غير أن الآثار السياسية للقانون قد لا تبدو حالياً بوضوح الآثار العملية لها، على العلاقة بين العرب واليهود داخل «إسرائيل»؛ إذ إنه رغم كثرة البنود والتفصيلات في نص القانون، إلا أنه خلا من كلمتي «الديمقراطية» و«المساواة»، وهما أساس كل تعامل قانوني في العلاقة بين مواطني دولة واحدة. ولذلك كان فلسطينيو 48 هم أول من حمل بشدة على هذا القانون، واعتبروه مدمراً لحقوقهم في أرضهم ومؤسساً لواقع دونية مكانتهم مقارنة مع اليهود. ولاحظوا أن إسقاط رسمية اللغة العربية كان المقدمة المطلوبة لإزاحة حقوق العرب العامة حتى أمام المحاكم الصهيونية، التي كانت تتعامل باستنسابية مع هذا الجانب.
وهذا يشير بوضوح إلى أن «إسرائيل» التي خلعت منذ زمن طويل ثوب الحمل، وارتدت ثوب الذئب، لم تعد بحاجة إلى صفة «واحة الديمقراطية» في صحراء المنطقة، وصارت أشد اندفاعاً نحو تكريس ذاتها كواقع فاشي في مواجهة ليس العرب وحدهم؛ وإنما اليهود المختلفون أو المعارضون أيضاً.
ومن الواضح أن «إسرائيل» لم تكن بحاجة ماسة إلى سن هذا القانون؛ نظراً لأن المخاطر الداخلية والخارجية التي تواجهها لا تبرر ذلك. فالقوة التي تمتلكها من ناحية، والضعف الذي يعانيه العرب من ناحية ثانية، لا يحفز على الإقدام على خطوات متطرفة كإقرار هذا القانون؛ غير أن الباعث عليه كان ولا يزال يتمثل في هوس قيادات اليمين على التنافس على إظهار قدرتها على تحقيق «إنجازات» حزبية أو شخصية، عبر ترسيخ وترسيم ما هو قائم فعلاً. ويرفض كثير من الصهاينة هذا المنهج لأنه يضر بصورة «إسرائيل» ويعمق عزلتها الدولية، إن لم يكن في نظر حكومات العالم، فعلى الأقل في نظر الرأي العام العالمي.
فالتفرقة العنصرية القائمة في «إسرائيل» كانت تدعي أنها غير مؤسسة على أسس قانونية، وأن بعض مظاهرها نابع من اعتبارات أمنية، ليس إلا. وقانون القومية جاء ليرسخ في نظر العالم أجمع، فكرة أن «الشيفرة الوراثية» للحركة الصهيونية عنصرية بامتياز.
وربما يكون هذا ما دفع قيادة الفلسطينيين في مناطق 48 إلى التوجه للأسرة الدولية وللحكومات العربية والغربية، بطلب مناصرتها في مواجهة قانون القومية. وأوفدت لجنة المتابعة العربية العليا، وهي الهيئة القيادية الأعلى للفلسطينيين في مناطق 48، وفوداً إلى كل من الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجهات دولية أخرى، لوضعها في صورة مخاطر قانون القومية.
وأشار وفد فلسطيني اجتمع مع أعضاء كونجرس أمريكيين، إلى أن القانون العنصري هذا، ما كان ليقر لولا شعور رئيس حكومة «إسرائيل» بأنه يتمتع بالدعم الأمريكي. وأوضح الوفد أن «قانون القومية يضع فلسطينيي 48 في دائرة «أقلية في خطر»، ما يستدعي تحركاً دولياً للتصدي للتشريعات المنافية للديمقراطية وللممارسات العنصرية».
وقدم الوفد تحليلاً قانونياً لقانون القومية يؤكد أنه «يضفي شرعية على كل أشكال العنصرية والتمييز ويفتح المجال أمام المزيد». وقارن بين دستور دولة التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا و«قانون القومية»، مؤكداً أن «التشابه بينهما أكثر من الفروق بكثير، وبما أن العالم وقف ضد الأبرتهايد في جنوب إفريقيا، فمن الطبيعي أن يقف ضد الأبرتهايد، الذي يشرعنه «قانون القومية» بلا مواربة».
وعدا عن التظاهرات الكبيرة التي نظمت في المدن العربية في فلسطين المغتصبة، بادرت لجنة المتابعة إلى إعلان الإضراب العام في كل أرض فلسطين المحتلة عام 67 والمغتصبة عام 48، تعبيراً عن رفض قانون العودة واستذكاراً لشهداء انتفاضة الأقصى. ويذكّر الحدثان الجميع بأن مصير الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات واحد، وأنه من المهم جداً توحيد النضال في كل المناطق لمواجهة العدو الواحد. وثمة أهمية وطنية كبيرة للإضراب العام الذي أعلن خصوصاً، وأن منطق التشرذم لا يزال سائداً في العلاقات الفلسطينية الداخلية جراء استمرار الانقسام.
في كل حال يواجه قانون القومية، كما سلف، معارضة داخلية خصوصاً من فلسطينيي 48، ومعارضة خارجية خصوصاً من السلطة الفلسطينية والجامعة العربية. وقد تقدمت منظمات عربية في داخل الخط الأخضر بالتماسات أمام المحكمة العليا الصهيونية ضد القانون.
ومن المقرر أن تبحث المحكمة العليا هذه الالتماسات في يناير المقبل، لكن من المستبعد أن تلغي القانون من أساسه وقد تطالب بإدخال تعديلات عليه. كما أن الحملة العربية دولياً ضد القانون قد توفر وقوداً لمواجهة إعلامية مع «إسرائيل»، لكن من الصعب أن تلغي القانون؛ نظراً للدعم الأمريكي.
وهذا يقود إلى الاعتقاد بأن ما يمكن أن ينسف القانون من أساسه، هو نضال وطني فلسطيني وقومي عربي، يجبر الكيان على أخذ الحقوق العربية بالحسبان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"