صنعاء تنتظر المعركة الفاصلة

00:04 صباحا
قراءة 5 دقائق
صنعاء «الخليج»:

لغة الحرب ما زالت هي السائدة في المشهد اليمني ولم يطرأ أي جديد على مستوى الجهود السياسية لحل الأزمة السياسية وإيقاف الحرب، فيما اتسع القلق حيال الوضع الإنساني في عموم البلاد وبرز القلق الأمني حيال مآل الوضع في المناطق الجنوبية المحررة من ميليشيا جماعة الحوثي والمخلوع علي صالح.

ووفقاً لتحركات وتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين في الحكومة الشرعية، فالجهود تتركز باتجاه المعركة الفاصلة المفترضة، انطلاقاً من محافظة مأرب نحو صنعاء وصعدة، بعد أن مُدت بتعزيزات عسكرية ضخمة، من قبل قيادة دول التحالف العربي، مع مقاتلين يمنيين مؤهلين، يرى فيها مستشار وزير الدفاع السعودي العميد ركن أحمد عسيرى، أنها «تتناسب مع حجم المهمة التي ستنفذ في محافظة مأرب».

تبدو معركة صنعاء المرتقبة الأكثر إثارة لقلق أهاليها واليمنيين عموماً، والمتابعين لتطورات الأزمة، لجهة كارثية نتائجها، إذا ما نشبت، ما صعّد من الدعوات لتجنبها، وآخرها نداء الرجل الثاني سابقاً في جماعة الحوثي محمد عزان، الذي قال «نحن في أمانة العاصمة من مختلف المحافظات اليمنية وأطياف الشعب وتياراته وأحزابه ومنظماته ومذاهبه وتكتلاته وقبائله نناشد أطراف الصراع ومن معهم ومن يقف وراءهم أن يجنبوا أمانة العاصمة الحروب والفتن سواء باسم (تحريرها) أو (الدفاع عنها)، فتحريرها لا يكون بتدميرها، والدفاع عنها لا يكون بتحويلها إلى ساحة للحرب ومَرْتع للفتنة».

ويسود الترقب القلق العاصمة اليمنية المسلوبة، في حين تشهد وضعاً إنسانياً كارثياً، مع تدني مريع في الخدمات وما بين انعدام وشحة المحروقات والانقطاع التام للكهرباء، المستمر منذ خمسة أشهر، وشحة المياه، الأمر الذي أدى بمجمله لتعطيل شبه شامل للحياة في المدينة.
بالمقابل يصر الانقلابيون المتمردون على الشرعية المضي بصلفهم والإمعان في انتهاك حقوق الناس، في ظل مخاوفهم من اقتراب سيف الشرعية بعون وإسناد دول التحالف العربي إلى رقابهم، وقد قامت ميليشيا الجماعة مطلع الأسبوع بحملة اعتقالات وسط ناشطين سياسيين وإعلاميين، مع زيادة في الاحترازات الأمنية بنصب نقاط التفتيش وتسيير الدوريات المسلحة، وتأمين حزام صنعاء عسكرياً.
وبموازاة ذلك مضت جماعة الحوثي في ممارسة سلطتها الانقلابية، عبر ما تسمى اللجنة الثورية العليا بإصدار قرارات تعيين في وزارتي الخارجية والمالية، والضغط لإجراء الامتحانات الوزارية لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، رغم ظروف الحرب والوضع غير الآمن في البلاد، لإيهام الرأي العام في الداخل والخارج بأن «الوضع تحت السيطرة»، غير آبهة لشكلية هذا الإجراء وانعدام جدواه وتأثيره لاحقاً في الطلاب.
وتتجلى في هذا المشهد، واحدة من الصور الكارثية لاستمرار الانقلاب على الشرعية، فحسب مركز الدراسات والإعلام التربوي، فإن «ما لا يقل عن 3700 مدرسة أُجبرت على إغلاق أبوابها بسبب النزاعات المسلحة وأن قرابة 60% من الطلبة النازحين لم تتجاوز الساعات الدراسية التي حصلوا عليها خلال العام الدراسي 350 ساعة دراسية من أصل 750 ساعة دراسية على المستوى الوطني و1000 ساعة دراسية على المستوى العالمي ، وأن 40% منهم لم يحصلوا على المنهج الدراسي للفصل الثاني».
واعتبر المركز «أن إجراء امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية في ظل النزاعات المسلحة والأوضاع الاقتصادية المتردية سيحرم الكثير من الطلبة من أداء الامتحانات وسيجعل نتائجها بعيدة عن المصداقية فضلاً عن أنها قد تعرض حياة آلاف الطلبة والمعلمين للخطر».

وفي سياق المشهد اليمني العام تبدو معركة تعز المحورية، ملتبسة، لجهة العجز عن حسمها، بعد أن كانت المقاومة الشعبية متقدمة، ولجهة قدرة ميليشيا الحوثي وصالح معاودة التحرك في عدد من مناطقها وحصار المدينة وقصف أحيائها السكنية واستقدام التعزيزات إليها.

وزاد من كارثية الوضع في تعز استمرار سقوط الضحايا وسط المدنيين نتيجة القصف العشوائي للميليشيات وتعطيل الخدمات وتوقف المستشفيات، ما أوصل المدينة إلى وضع صحي وبيئي لا يُحتمل، حيث قالت وزارة حقوق الإنسان اليمنية إن انتشار حمى الضنك تطال 4 أشخاص من بين كل 10 أشخاص يعيشون فيها، إضافة إلى انعدام الأدوية والمحاليل الضرورية لمرضى الكلى والتي تهدد بوفاة ما يقارب ال 700 مريض إلى جانب المصابين بعدد من الأمراض المزمنة الأخرى.
وإن بدا المشهد العسكري عموما يراوح في مكانه، مقارنة بما تحقق من متغيرات في الميدان، حتى منتصف أغسطس/آب، على أقل تقدير، إلا أن استمرار العمليات العسكرية في أكثر من جبهة، يقود إلى استمرار استنزاف القدرة العسكرية والبشرية لدى ميليشيات صالح والحوثي، وهي التي ما زالت تتلقى ضربات موجعة من طيران دول التحالف في أكثر من جبهة.
كما أن المزيد من إشعال جبهة الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية، يمد قوات دول التحالف فرصة للتوغل في الأراضي اليمنية، كما حدث في محافظة صعدة، حيث تمددت القوات السعودية، برفقة رجال من القبائل اليمنية، إلى مناطق فيها.
وجاء إطلاق ميليشيا صالح والحوثي لصاروخ سكود، الأربعاء قبل الماضي، من صنعاء، وتحديداً من معسكر النهدين المطل على دار الرئاسة، إذناً لطيران دول التحالف لمعاودة القصف على أهداف عسكرية بصنعاء، بعد توقف لأسابيع، فيما لم يعد ذلك بنتيجة عسكرية للمتمردين، سوى التأكيد على أنهم ما زالوا يمتلكون القدرة على تحريك ما يسمونها «القوات الصاروخية» وامتلاك مخزون من الصواريخ في العاصمة.

اللافت في هذه الواقعة ان صحيفة «اليمن اليوم» التابعة لنجل المخلوع صالح، تساءلت: «ما المكسب العسكري والسياسي والإعلامي من إطلاق صاروخ من داخل العاصمة؟»، وكتبت في افتتاحية عددها الخميس الماضي اليوم التالي لإطلاق الصاروخ ان أنصار الله (الحوثيين) هم «الذين يديرون العمليات العسكرية والسلاح والجيوش» وانهم «وقعوا في مشورة غبية من طرف غير أمين»، فيما المعلوم ان صالح وزمرة ميليشياته العسكرية، هي من تملك اليد الطولى عسكرياً.
في أزمنة الحروب والأزمات، يعلم الجميع، ان قنوات سياسية ودبلوماسية، تبقى مفتوحة للتفاوض أكانت معلنة او غير معلنة ومثل هذه القنوات في الأزمة اليمنية، تبدو ما أُتفق على تسميتها بمشاورات مسقط، تراوح في مكانها، ولم يطلع من راعيها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، أي مؤشر لتحقيق اختراق ايجابي، بعد لقائه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي حمّله الى مسقط موقف الحكومة الشرعية بشأن حل الأزمة على أساس تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2216.

وفي المقابل لم تبد جماعة الحوثي وصالح، مؤخراً، أي جديد إيجابي، حيال تلك المشاورات، بل إن مصادر حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه صالح، رددت، الخميس الماضي، أن «وفد الحزب والحوثيين يستعد لمغادرة مسقط، بعد فشل المباحثات»، وأشارت ضمناً إلى أن بنود الجيش والأمن والانسحاب من المدن خاصة صنعاء وصعدة،،هي نقاط الاختلاف الرئيسية بين الطرفين.

وفي جنوب البلاد وتحديداً في عاصمته عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، يسود القلق حيال الوضع الأمني الهش فيها، بفعل سعي بعض الأطراف، التي شاركت الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي في تحريرها، إلى جني استحقاقات سريعة على الأرض، وبفعل توجسات من بعضها وخوفاً من مستقبل الوضع في عدن والجنوب عموماً.

وتبدو في الواجهة المجموعات المسلحة المشتبه ارتباطها بالقاعدة أو تلك المرتبطة فعلاً بها، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، والحراك الجنوبي وغيرها، التي سعت للتعبير عن نفسها في الميدان، من خلال استعراض القوة بالسلاح والمدرعات، والسيطرة على مواقع رسمية في المدينة والاستحواذ على الإدارة الطارئة لأمور المدينة وحاجات أهاليها، والخروقات الأمنية التي تمثلت، خلال الأسبوع المنقضي، بعمليات الاغتيال التي طالت مسؤولاً أمنياً بالمحافظة وقياديين في المقاومة الجنوبية، فضلاً عن نشاط عصابات النهب والاعتداء وانتشار السلاح وبيعه، كنتاج طبيعي للوضع ما بعد الحرب. وحيال ذلك لم تبد الحكومة الشرعية أو قوات التحالف العربي، الى الآن، اية خطوات جادة وحاسمة، لمواجهة تلك الاختلالات الأمنية، التي رغم ان وقائعها ما زالت محدودة، إلا أنها قابلة للاتساع، واكتفت الحكومة بعون دول التحالف وخاصة السعودية والإمارات بالمضي في تعزيز قدرات أجهزة الأمن الداخلي، واستمرار التمهيد لتنفيذ قرار دمج المقاومة في الجيش الوطني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"