موروث خليجي تختلف مسمياته

03:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
وفق د. راشد رشود، باحث في تاريخ وتراث الإمارات، تعتبر ليلة النصف من شعبان «حق الليلة»، من الموروث الشعبي للدولة، ويعبّر الناس من خلالها عن سعادتهم بقرب حلول رمضان، وتعتبر المشاركة أيضاً في ليلة النصف من شعبان، وذلك لتعزيز الهوية الوطنية وتعميق التراث في نفوس الأطفال، حتى لا تندثر في ظل التغييرات الحياتية المستمرة.
ومن أبرز ما يميز المشاركة في الاحتفال في ليلة النصف من شعبان ارتداء الأطفال الأزياء الشعبية الجميلة بألوانها الزاهية، وترديدهم الأهازيج التراثية الخاصة بهذه المناسبة، مثل «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، و«يالله نسير حق الليلة، الليلة أحلى ليلة».

ويحتفل البعض بهذه الليلة، استعداداً لقدوم شهر رمضان المبارك، فيما يأخذها آخرون كعادة توارثتها الأجيال على مر السنين، والهدف هو غرس البهجة في نفوس الأطفال، وتلاحم العائلة وأهل «الفريج» الواحد، حيث يقوم كل بيت بتوزيع الحلويات والمكسرات على أطفال الجيران.

وتجمع الاحتفالية في ليلة النصف من شعبان بين الاحتفاء بالمناسبة الدينية للنصف من شعبان، وتسليط الضوء على الموروث من ثقافة الاحتفاء بهذه المناسبة، ولإحياء التراث والتقاليد الإماراتية الأصيلة، وتعميق التراث في نفوس الأطفال.

وتأتي المشاركة في هذه المناسبة للحرص على إحيائها، والجهود المبذولة في الحفاظ على العادات والتقاليد، وتجسيد مناسبة «حق الليلة»، في صورة معبرة ومشرقة، تبرز الاعتزاز بالهوية الوطنية، وتسهم في توثيق العلاقات الأسرية بين أفراد المجتمع كافة، ولتوعية الأجيال والأطفال بالاحتفالات والمناسبات الشعبية والحفاظ على الموروث الشعبي والتراثي.

نكهة مختلفة

إن ليلة النصف من شعبان لها نكهة مختلفة ورائحة تراثية، تنثر عبقها في أرجاء الفرجان، لترسخ في ذاكرة الأطفال، وتعيد الكبار إلى الماضي الجميل، وفرحة الانتقال من بيت إلى آخر محتفلين ب«حق الليلة»، وهم يرددون «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكه يوديكم»، ليتفاعل الكبار والصغار، وهم يحيون هذه المناسبة كل عام، بمظاهر اجتماعية وأسرية وابتكارات جديدة تربط الماضي بالحاضر، لتصل آثار هذه الاحتفالية إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ويوثق الجميع هذه اللحظات بصور وعبارات التهنئة.

كما أن الشباب حريص على حماية الموروث الشعبي التقليدي، وذلك بتفاعله مع المناسبات التراثية، واحتفاله بمناسبة «حق الليلة» بطريقته الخاصة، وتشجيع الأطفال على المشاركة والتفاعل، وعدم الاكتفاء بذلك، بل بتوثيق الاحتفالية بلغة العصر، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤكد د. راشد رشود أنه يحتفل سنوياً بهذه المناسبة مع أسرته، ويقول: «في إحدى السنوات احتفلنا بطريقة مختلفة، إذ كنا في إحدى الدول العربية لظروف الدراسة، وصادف وقت السفر مناسبة «حق الليلة»، فحرصنا على الاحتفال في هذه الدولة، وأعددنا التوزيعات بطريقة مبتكرة، ووزعناها على جيراننا في الفندق الذي نقيم فيه، ما أسهم في الترويج للموروث الشعبي، وربط الأطفال بالتراث وهم خارج الدولة».

ويلفت إلى أن توزيعات «حق الليلة»،أصبحت تصل الناس إلى منازلهم، حيث وصلته الكثير من التوزيعات قبل تاريخ المناسبة بأسبوع.

ويستعد الناس لهذه الاحتفالية بتحضير كميات من الحلويات لإعطاء كل من يطرق الباب، أما الطريقة الثانية، فهي خاصة بالعائلة، من خلال تجمع الأهل وتحضير مجموعة توزيعات للأطفال، ويلفت إلى أن اليوم بفضل قنوات التواصل الاجتماعي زاد إقبال الشباب على الاحتفال، من خلال تبادل الصور الخاصة باحتفالات العائلة، ليتشجع الآخرون على الاحتفال.
ويقول د. راشد رشود: «منذ البدء بالاستعداد للاحتفال بحق الليلة، أصبحنا نوثق كل خطواتنا بدءاً بشراء الحلويات، إلى اختيار العلب من خلال وضع الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، ونستمع لآراء الأصدقاء، وهناك الكثير من الأسر لا تحرص على الاحتفال بهذه المناسبة، ولكن من خلال تفاعل الأبناء في مواقع التواصل الاجتماعي، يبادرون إلى تشجيع الأهالي على الاستعداد.
كما أن في ذاكرة الكبار حكايات وقصص كثيرة، فمن يتجول في مخيلتهم يجد الفرحة والبهجة خلال احتفالهم بمناسبة «حق الليلة» في طفولتهم، لتكون البساطة عنوانهم، والتعاون شعارهم، والفرحة غايتهم.
الفرحة والبهجة والتعاون هو ما أجده في ذاكرتي عن تلك المناسبة، هذا ما يقوله د. راشد رشود، ويضيف: بحلول شهر شعبان، وكانت الأمهات تستعد بخياطة «الخرايط»، أي الأكياس القماشية، وشراء المكسرات، وتستمر الاحتفالية ثلاثة أيام، ابتداء من 13 شعبان، وهذا يجعل الفرحة مستمرة، والحلويات كانت توضع في «الجفير»، و«يجبرون خاطر الأطفال» بإعطائهم المكسرات، والبيت الذي يعطي كميات أكثر كنا ندعو له، وبمجرد أن تمتلئ الخريطة، نعود للمنزل ونفرغها، ونكمل طريقنا في التجوال في الفريج وترديد الأهازيج، حتى نصل للفرجان القريبة، وكان الأولاد والبنات يتجولون في مجموعات في الفريج، ولم تكن الدراهم من ضمن التوزيعات، إذ كانت حكراً على العوائل الثرية، التي تضع الدراهم من ضمن التوزيعات، وما أذكره جيداً عندما كنا نجد الدراهم، ضمن التوزيعات، نفرح كثيراً، حيث كانت بعض الأسر تضع الدراهم مع المكسرات، وهذا كان يشكل مصدر فرح وانتصار لنا آنذاك.
ويتابع: «أتذكر الفريج القديم الذي يعج بالصغار المتشحين بأجمل الملابس التقليدية، يدقون الأبواب طلباً للمكسرات بالأهازيج والغناء، وكنا ندور في الفرجان والخريطة على كتفنا، ونطرق جميع الأبواب، وندخل الفرجان المجاورة، ونبدأ في الصباح ونكمل في العصر، لقد كانت الأجواء العامة للاحتفالية على طبيعتها، وليس بها أي تصنع كما نرى اليوم، حيث إن مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة قد تغيرت، فلم تعد الحلويات توضع في جفير مصنوع من السعف، بل دخل في تصميمها أحدث الأفكار. وتعد الأهازيج ثابتة على مر العصور، رغم اختلاف طريقة الاحتفال.
وتختلف تسميات المناسبة بين دول الخليج، ففي الإمارات تقال «حق الليلة»، وتكون في النصف من شعبان، وفي البحرين وقطر«القرنقعوه»، وفي الكويت والسعودية «القرقيعان»، و«القرنقشوه»، في سلطنة عمان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"