من يتحمل مسؤولية اغتيال السادات؟

00:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

كان اغتيال الرئيس أنور السادات في حادث المنصة الدموي قبل أربعين سنة بالضبط حدثاً جوهرياً في التاريخ المصري الحديث ألقى بظلاله على ما بعده.

في 6 أكتوبر 1981 سجلت الكاميرات وقائع الاغتيال أثناء عرض احتفالي عسكري بانتصار أكتوبر.

كانت تلك مفارقة أولى. جرت بعض المحاكمات دون استجلاء كامل الحقيقة وأغلق الملف بأسرع ما يمكن. كانت تلك مفارقة ثانية.

بأي حساب سياسي أو أمني لم يكن مستبعداً احتمال الوصول للرئيس، لكنه لم يتوافر الحد الأدنى من الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك الاحتمال، ولا عوقب مسؤول رفيع واحد بتهمة الإهمال الجسيم عن توفير مقتضيات الأمن. وكانت تلك مفارقة ثالثة.

قبل شهر واحد من حادث المنصة جرت أخطر وأوسع حملة اعتقالات في التاريخ المصري الحديث، شملت قيادات فكرية وسياسية وصحفية من أجيال وتيارات مختلفة ورجال دين كبار مسلمين ومسيحيين دون مسوغ مقنع باسم وأد الفتنة أطلق عليها في الإعلام ثورة 5 سبتمبر.

أفلتت الحوادث عن كل قيد والتفاعلات عن أي احتمال. بدا كل شيء محتملاً في أجواء عصبية سادت البلد، التصرفات والأفعال. لم يكن أحد يعرف ما قد يحدث غداً، أو إلى أين تندفع الحوادث اللاهثة.

غلبت السادات عصبية مفرطة في اللفظ والفعل إلى حدود يصعب أن يحتملها أي نظام دون اهتزازات عميقة تفضي إلى تقويضه. باليقين فهو يتحمل المسؤولية الأولى عن تسميم المجال العام وإشاعة الفتن في جنباته.

كانت مقاليد السلطة استتبت له عندما داهمت نيران الفتنة الطائفية مصر يوم ٦ نوفمبر ١٩٧٢ في مركز «الخانكة». لماذا هبت الفتنة في ذلك الوقت بعد عقود طويلة خمدت فيها نيرانها؟

ينسب لتجربة جمال عبدالناصر أنها ضربت الأساس الاجتماعي للنخبة القبطية وجردتها من أراض وممتلكات ومصانع بالقوانين الاشتراكية. هذا اتهام شائع وله صدى، على الرغم من أن القوانين نفسها طبقت بلا تمييز واستفادت من ثمارها الطبقة الوسطى والفئات المحرومة بغض النظر عن الانتماء الديني.

بقدر عمق التحولات وما انطوت عليه من فلسفة اجتماعية تعمل بقدر ما تستطيع على إشاعة العدالة والمساواة وإعلاء قيمة المواطنة تأكد التماسك الوطني وخفتت النزعات الطائفية إلى حدود كبيرة.

ما الذي استدعى الفتنة من مكامنها، ولم يكن النظام الجديد قد كشف عن توجهاته في النظر إلى حقوق المواطنة والبلد يتأهب لخوض حرب تقرر مصيره؟

لم يكن الرئيس الجديد مقنعاً لقطاعات كبيرة من المواطنين بقدرته على ملء فراغ سلفه الراحل، وريح المعارضة تهب عليه من داخل نظامه وخارجه على السواء.

بدأ التفكير مبكراً، وهذا ثابت ومؤكد بشهادات واعترافات، في استخدام الورقة الدينية لضرب التيارين الناصري والماركسي.

جرت اتصالات لعودة أقطاب جماعة «الإخوان المسلمين» من الخارج والتصالح معها.

برز في الحلقة المقربة محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط الأسبق صاحب العبارة الشهيرة: «أعداء النظام ثلاثة، الشيوعيون والناصريون والأقباط». وكان قد شرع في تأسيس «الجماعة الإسلامية» بالجامعات المصرية لمواجهة الطلاب اليساريين الذين يعارضون «السادات».

كانت اللعبة في بدايتها لم تأخذ بعد كامل أبعادها مثل إعلان السادات أنه «رئيس مسلم لدولة مسلمة»، لكنها وفرت بيئة سلبية احتضنت الفتنة وزكت نيرانها، التي داهمت المصريين على غير توقع أو انتظار.

شكلت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق ترأسها الفقيه القانوني الدكتور جمال العطيفي، انتهت بعد عشرين يوماً إلى استخلاصات وتوصيات لاقت قبولاً عاماً، لكنها أودعت الأدراج إلى الأبد.

بمضي الوقت استقرت حقائق المشروع المضاد لثورة 23 يوليو. تفكيك الاقتصاد الوطني أسس لطبقة جديدة وظيفتها مساندة نوع معين من السلام. وتفكيك نظرية الأمن القومي أسس لتراجع المكانة المصرية في محيطها وقارتها وعالمها الثالث.

بتعبير وزير داخليته النبوي إسماعيل (٢٠٠٣): «الجماعات الأصولية عفريت أخرجه السادات من القمقم ولم يعرف كيف يصرفه». بعد حادث المنصة دخلت مصر في موجات متلاحقة من العنف والإرهاب أمكن السيطرة عليها بتكاليف باهظة، لكنها لم تستوعب ضرورات الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هاجس التيارات الإسلامية لم يصنع وحده مشهد الأعصاب المنفلتة. بدت المعارضة المدنية المتزايدة هاجساً آخر دعا السادات إلى الزج برموزها في السجون.

في التوقيت نفسه ضغطت على أعصابه شكوكاً عميقة أن هناك من يحرض على التخلص منه داخل دائرة الحلفاء المفترضين.

مطلع يناير 1981 نشرت صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية أن الفريق سعيد الماحي رئيس المخابرات المصرية في ذلك الوقت نصح الرئيس السادات، ب«ضرورة تنظيف المنزل»، وأنه حذر الرئيس من أن السفارة الأمريكية بالقاهرة تبدي اهتماماً كبيراً بصراعات السلطة، وأن الأمريكيين يفضلون الدفع قدماً بالنائب حسني مبارك وتحسين صورته وتلميعه.

بغض النظر عن أية أسرار وخفايا في قصة اغتيال السادات، فإنه كان هناك فعلاً من يرى أن التخلص منه يفضي للوصول إلى نقطة استقرار مستدامة دون أية اضطرابات تتسبب فيها طبيعة شخصيته.

الجماعات الإسلامية تولت إطلاق النار، هذا ثابت ومؤكد، لكن السادات، قبل أي أحد آخر، يتحمل المسؤولية الرئيسية عن الدفع بالحوادث إلى المنصة الدامية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"