مركز جمعة الماجد يعيد إحياء المخطوطات

02:07 صباحا
قراءة 5 دقائق
دبي: محمد حمدي شاكر

تعتبر المخطوطات والمطبوعات العربية والإسلامية ذخيرة ما أنتجه الرواد الأوائل من فكر وتدبر وبحث، فكان له الأثر الكبير في رسم مجريات الحياة وتطورها، وبالتالي يترتب علينا الحفاظ عليها من التلف والهلاك.
ودائماً ما يسمع كثير من الناس عن ترميم المباني والمواقع الأثرية واللوحات الفنية وغيرها، ولكن نادراً ما يسمع عن ترميم الكتب والمخطوطات والوثائق القديمة، ولا يعلمون الطريقة بل يتعجب البعض أحياناً من الفكرة نفسها، إذ كيف لأوراق تتحلل ويصيبها الشيخوخة وتتمزق أن تعود مجدداً لحالتها الجديدة؟ خلال الأسطر المقبلة نتجول داخل مركز جمعة الماجد للتراث والثقافة القسم المختص بترميم المخطوطات والمطبوعات، لنتعرف أكثر إلى الطريقة والكيفية.
من داخل المركز الكائن بمنطقة القصيص بدبي، رصدنا كيفية ترميم الأوراق والمخطوطات الذي أصابتها الشيخوخة وكيفية إحيائها مجدداً ومن المسؤول عن العملية وطرق الترميم والمواد المستخدمة إلى جانب معرفة بعض الأساليب والطرق المتبعة في إعادة إحياء المخطوطات والكتب والمطبوعات التي تحللت.
بشرى صلاح الدين دحوج، رئيس شعبة ترميم المخطوطات بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، تقول: «أي وثيقة تحتاج إلى ترميم، فهي تالفة أو متضررة بفعل عوامل الطبيعة، فهي في نهاية الأمر مصنوعة من الورق وتتأثر بالعوامل الطبيعية من الحرارة ورطوبة ومؤثرات كيميائية موجودة في الورق نفسه، كما يتعرض بعضها للتلف أو التآكل بسبب العوامل البيولوجية مثل الحشرات والقوارض والبكتيريا التي تعرض الكثير منها للتآكل، إذ لم يتم اكتشاف الأمر مبكراً».
وتضيف: «هناك أيضاً آثار أخرى مثل الحرائق والفيضانات وسوء التخزين وعدم الحفظ الجيد ربما تتلف الوثيقة بسرعة قياسية، وبالتالي فالترميم عملية معالجة الهدف منها إعادة الوثيقة إلى حالة تشبه وضعها الأصلي للاستفادة منها وإطالة عمرها وحفظها من عوامل التلف والضرر، وكثيراً ما تقترن العمليتان، الترميم والحفظ، ببعضهما بسبب أن الترميم في الحقيقة يتم بحفظها بعد ترميمها، وإلا ما الفائدة منها إن أعدناها إلى نفس ظروف التخزين التي تسببت في تلفها وتآكلها من قبل؟».
وتشبه دحوج المخطوط بالمريض والمركز الذي يرممه، بالمستشفى، قائلة: «نأخذ المريض (الكتاب) ونعالجه من الإصابات والأمراض التي ربما أصابته بالتلف، ثم نرجعه إلى شكل مناسب للقراءة وليس كما كان على صورته الأولى مثله مثل المريض، فنحن نعالج المرض أو نزيله».
وتوضح أنهم يستلمون المخطوطات من قسمها الخاص «المستودع» بعد فهرستها، ووجود بطاقة وصف لكل ما هو موجود بالكتاب من نوع الحبر وانحلاله، ودرجة الرطوبة، والحموضة، وكل ما هو له علاقة بالورق، إلى جانب أنهم يصنعون أوراقاً خاصة بالمركز لإعادة ترميم الكتب وهي مصنوعة من نباتات معينة وطبيعية 100%.
وعن طبيعة العمل بالمركز، تقول: «جميع العاملين بالمركز يتطلب عملهم الكثير من الدقة والصبر لأقصى حد ممكن حتى يتاح لنا معالجة الكتب والمخطوطات بشكل سليم يضمن بقائها لفترات أطول، فالدقة تفيد فأكثر من شيء أهمها عدم إصابة الكتب بعاهات نتيجة عدم التركيز».
وتضيف: «في بداية عملية الترميم ننظف المطبوعات والمخطوطات عن طريق فرشاة لإزالة الأتربة والحشرات وغيرها، ثم نتأكد من ترقيم الأوراق ووضعها بشكل صحيح والتركيز في المطبوعات غير المرقمة وإعادة ترقيمها بأكثر من طريقة، من بعد اكتشاف الإصابات، ولكل إصابة طريقة علاج مختلفة عن الأخرى، فالأطراف المتآكلة لها طريقة، والكعوب المحترقة والورق الضعيف والهش كذلك. نبدأ بمعرفة نسبة الحموضة في الورق ومعالجتها كيميائياً، وهناك الأوراق التي تصاب بثقوب عن طريق الحشرات، ولها أيضاً طرق مختلفة، مثل ملء تلك الفراغات أو الثقوب الصغيرة، أما الكبيرة فنحولها إلى قسم الترميم الآلي المختص، وله رئيس مختص فيه داخل المركز أيضاً».
وعن إدخال أية مواد الكيميائية أو غير الطبيعية على المخطوطة المقصود ترميمها، تؤكد قائلة إن المركز لا يستخدم أية مواد غير طبيعية في جميع مراحل الترميم سواء من الورق الذي نصنعه أو الحبر، والصمغ والألوان حتى لا يصاب المخطوط بأي تلف مستقبلياً كما يُحفظ في أماكن وأرفف مخصصة بها درجة رطوبة وحرارة لا تصيب المخطوط مرة أخرى بأي مرض، وإبعادها عن المخطوطات المريضة أيضاً نهائياً.
وتشير إلى أن المركز لديه مخطوطات تعود إلى العصر المملوكي وأخرى تخطت الألف عام، كما أنهم رمموا مصحفاً مملوكياً يعود لأكثر من 700 عاماً جاء من سوريا لترميمه وعلاجه.
وتضيف: «بعد الانتهاء من الترميم نقص الزوائد، ونتأكد من ترتيب الأوراق وكبسها بمكبس يدوي وليس آلي حتى تكون الأوراق في ارتياح، ثم ننقلها إلى قسم التجليد وهناك أكثر من نوع له ثم نحيك المخطوطة يدوياً ومن نصنع الكعب وعادة ما يكون للزينة، وبزخارف معينة على حسب الحقبة وحتى لا يصاب بأي تلف نتيجة احتكاكه بالأرفف، وفي النهاية يتم التغليف ويكون من الجلد الطبيعي. وهناك مخطوطات تكون ثمينة ولها وضع خاص فنصنع لها علبة خاصة من مواد طبيعية لحفظ المخطوط داخلها حتى لا تصاب بأي تلف مهما طال عمرها».
محمد الدالي، رئيس شعبة ترميم المطبوعات والمسؤول عن قسم الترميم الآلي بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث الذي حدثنا في البداية عن الترميم الآلي وطرقه. يقول: «هو واحد من الطرق المعتمدة في ترميم الكتب والوثائق ونستخدم فيه أوراق طبيعية نصنعها في المركز من نبات الأورجانزا، ونبدأ في تلك العملية أولاً بفحص الكتاب ومعرفة الإصابات من احتراق، أو حشرات، أو تلف نتيجة الماء، أو القوارض، وتحديد ما يحتاج له من علاج، ثم نحسب مساحات الترميم المطلوبة ونأخذ المقاسات على أجهزة خاصة، لمعرفة ما يحتاج له المطبوع من ألياف وعجينة الورق».
ويبدأ بعد ذلك الباحثون في ترقيم المطبوع حسب «التعقيبة» إذ لم تكن مرقمة، أو عن طريق الأرقام الموجودة عليها، ثم تفكيكها من الكعوب وفك الخياطة بدقة وحرص شديدين، ثم تحويلها إلى مجرد أوراق، لوضعها ضمن جهاز ترميم آلي، وإعادته على شكل ملازم بشكل ملائم، حسب ما يقول الدالي.
ويضيف: «في هذا الجهاز تُخلط الأوراق القديمة مع عجينة الورق ومن ثم يتم رفع الماء بطريقة إلكترونية لدمج الورق والعجينة والورق القديم لملء الفراغات والثقوب، ثم نستخرجها ونعرضها لعملية الكبس والتدعيم بالصمغ لاكتمال عملية الدمج وتستمر عملية الكبس هذه لمدة 7 ساعات متواصلة، تتبعه عملية تنشيف الورق وقص الزيادات والمساحات المتناثرة. وفي حال وجود غلاف للمخطوط، فيجري تنظيفه وإزالة ما علق به وترميمه من جديد، ثم خياطة ملازم المخطوطة بإتقان، ثم تحديد العصر الذي نسخت فيه المخطوطة أو تقدير الفترة الزمنية إن لم نجد الصفحة الأخيرة المكتوب عليها تاريخ الطباعة واسم المؤلف».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"