ماذا بعد رفض «بريكست» في مجلس العموم؟

05:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
بهاء محمود

عقب رفض البرلمان البريطاني اتفاق بريكست، اتضح للجميع أن بريطانيا عادت للمربع صفر، وأن مستقبل تريزا ماي بات على المحك، هي وحزبها الحاكم، في خطوة تعد مفسّرة لحجم الصراع السياسي الداخلي، وكيف أسهم في تخبط بريطانيا في علاقتها بالاتحاد الأوروبي.
اللافت أن البرلمان الذي رفض الاتفاق بأغلبية كبيرة، هو نفسه من انقسم على سحب الثقة من تريزا ماي، ليجعلها تبقى رئيسة للحكومة بفارق أصوات قليلة جداً، وكأنه يريد القول «نحن نريدك ولا نريد خطتك»، من جانبها أعلنت ماي أنها سوف تعمل على تحقيق إرادة البريطانيين، محترمة استفتاء 2016، وآلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي من المفترض أن يبدأ في ال29 من مارس/‏ آذار المقبل.
واقعياً لا توجد خيارات كثيرة أمام بريطانيا، فبداية تم طرح إعادة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني تقديم الاتحاد تنازلات، يرضى عنها نواب البرلمان البريطاني، ويصوّتون بالموافقة عليها، في ظل انقسام البرلمان لعدة كتل، منها من يرغب في الخروج بالاتفاق، ومنها من يضع البقاء في الاتحاد الجمركي شرطاً كي يوافق على أي مسودة، ومن ثم يرمي أصحاب هذا الطرح الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي ودوله ال27، والذين تختلف مواقفهم تبعاً لمصالحهم، فمن جانب المفوضية الأوروبية، يرى - جان كلود يونكر - أن الاتفاق كان منصفاً ويحد من الآثار السيئة للبريكست، وتطابقت تصريحات يونكر مع دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي.
ومن هنا يصبح إعادة مناقشة الاتفاق بعيد الاحتمال حتى الآن، ويلزم البرلمان البريطاني تريزا ماي بتقديم الخطة «ب» قبل نهاية شهر يناير للتصويت عليها، وهو ما يجعل مهمة ماي ثقيلة في هذه الأيام القليلة، مع الأخذ في الحسبان موقف الاتحاد الذي بدأ يتحدث عن تفسيرات قانونية وليس تنازلات، وفي سياق مكمل، يرى بعض القادة الأوروبيين تحسباً ودفعاً لخسائر بريكست، أن يمدوا المهلة الخاصة بالمفاوضات، مع تجميد المادة 50 من معاهدة لشبونة، تلك الخاصة بآلية الخروج
من جهة أخرى يبدو سيناريو إعادة الاستفتاء على بريكست، طرحاً يلقى بعض القبول من بعض السياسيين، ومنهم تونى بلير رئيس الوزراء الأسبق، وهو طرح يلقى قبولاً شعبياً تظاهر من أجله الآلاف بعد معرفة حجم التخبط، الذي وقعت فيه بريطانيا عموماً، وبدا لهم ثمة خديعة من الجنّة الموعودة مع الخروج من الاتحاد. ومن جانب آخر بعد فشل حزب العمال في حجب الثقة عن ماي، يدافع الآن نوابه عن الاستفتاء أو إجراء انتخابات مبكرة، ولطالما رفضت تريزا ماي هذا الرأي، وتمسكت بمشروعية الاستفتاء الأول، مع وجود تقارير تفيد برغبة بعض نواب البرلمان بعقد استفتاء آخر نهائي. لكن في واقعية هذا الطرح ثمة معضلة، وهي في حال جاءت النتيجة بالموافقة على الخروج فما سيناريو الخروج؟ وهو الأمر الذي فشل فيه الجانبان الأوروبي والبريطاني. ومن جهة أخرى ما الدافع الحقيقي لكي يقبل المحافظون المنقسمون على ذاتهم، بإعادة سيناريو الاستفتاء مرة أخرى. وفي المجمل دارت سياقات من الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب الكبرى، على خلفية إجراء استفتاء جديد يراه البعض انتهاكاً لحقوق المواطنين، الذين صوّتوا في يونيو 2016 ويجب احترام رغباتهم.
ومن رحم الاستفتاء الجديد، تخرج الانتخابات المبكرة، والداعي الأكبر لها هو حزب العمال الذي يرى أن القيادة الحالية لا تصلح لاستكمال المهمة، ومتخبطة وعاجزة عن الوصول لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ويأمل زعيم العمال «جيرمى كوربن» أن تفشل ماي في تقديم خطة جديدة، لكنه يصطدم بوعي الأغلبية من حزب المحافظين الذين يدركون فداحة إجراء انتخابات مبكرة، واحتمالية رحيلهم من الحكومة، وبالتالي الفرصة الوحيدة لنجاح أمنية كوربن هو تحالف معارضي ماي من داخل حزبها مع بقية قوى المعارضة البريطانية، وهو الأمر غير المرغوب فيه حالياً.
وبالعودة للوراء، وعلى غرار نموذجي النرويج وسويسرا، يرى فريق داخل حكومة ماي، ومنهم وزيرة العمل والمعاشات البريطانية «آمبر رود»، أن يتم تفصيل نموذج مقارب للنموذج النرويجي، أي نرويجي معدل، تبقى فيه بريطانيا ملزمة بفاتورة مالية، مع تطبيق بعض الاتفاقات الأوروبية، لكن بريطانيا ستكون هنا غير فاعلة لا تصوت على القرارات الأوروبية، وهو لب الأزمة منذ ما قبل بريكست. فبريطانيا التي كانت تبحث عن استقلال القرار الوطني، لن يرضى نوابها، الوقوف بلا صوت، وهذا الخيار في الأغلب لن يتحقق، وبالتالي فإن نموذجي سويسرا والنرويج مرفوضان من قبل القوى البريطانية عموماً، ومن هنا ومع صعوبة الخيارات المتاحة، واشتعال الصراع السياسي البريطاني الداخلي، مع بقاء الأوروبيين على موقفهم، يمكن أن يحدث السيناريو الأسوأ، وهو الخروج بلا اتفاق في مشهد تبدو فيه الانتهازية السياسية داخل الأحزاب البريطانية في أوج قمتهااً.
ومن جانب آخر يمكن ل«ماي»، أن تفاوض المعارضة العمالية، سعياً إلى إبرام صفقتها بدعم من نواب حزب العمال، الذين تقترب آراؤهم أكثر مع نظرائهم من المحافظين، وقد دعت ماي الأحزاب البريطانية عامة للجلوس للتفاوض وبناء نموذج موحد، لا سيما مع وجود حل وسط في شكل عضوية الاتحاد الجمركي، والتي تشكل جوهر مطالب حزب العمال، فيما يتبقى حل تستطيع به تريزا ماي أن تضمن به ولاء حزب العمال، عبر المقايضة، وهو ما يعني إقامة انتخابات مبكرة بعد موافقة حزب العمال على اتفاق تقوده ماي مع الاتحاد الأوروبي، ذلك كون ماي لن تترشح مرة أخرى في الانتخابات المقبلة. وبالطبع إذا ما استطاعت ماي تمرير اتفاق جديد بدعم من حزب العمال، شريطة إقامة الانتخابات المبكرة، لا أحد يعلم نتيجة تلك الانتخابات وفق تلك المتغيرات. وفي النهاية ثمة علامات تدل على صعوبة خروج بريطانيا في القريب العاجل أو حتى المتوسط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"