«إس- 400» تعكر العلاقات التركية الأمريكية

04:00 صباحا
قراءة 5 دقائق

عمرو عبد العاطي *

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، الحليفين الاستراتيجيين في حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو)، راهناً، أزمة لم يسبق لها مثيل منذ أزمة قبرص عام 1974، لاختلاف رؤيتيهما حول العديد من القضايا المشتركة، وقد تصاعدت الخلافات بينهما في السنوات الخمس الأخيرة، ما أسهم في تأجيج التوترات المحتدمة بين البلدين إلى حدٍّ كبير.
في ظل تعدد الملفات الخلافية بين البلدين، وسعي تركيا لتبني سياسات تتعارض مع المصالح والأمن القومي الأمريكي، في وقت تتشابك فيه مصالحهما، وأهمية كل منهما للأخرى، وصف «ستيفن كوك»، الباحث المتخصص في الشؤون السياسية العربية والتركية والسياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، في تقرير نشره المجلس في نوفمبر من العام الماضي (٢٠١٨) أنقرة بأنها «ليست صديقة ولا عدوة» للولايات المتحدة.
تختلف أسباب الدولتين تجاه التوتر الحادث في العلاقات بين عضوي حلف الناتو. وتتمثل أهم القضايا التي تُعكر صفو العلاقات الأمريكية-التركية من وجهة نظر أنقرة في دعم الولايات المتحدة لأكراد سوريا، وتسليحهم بما يهدد الأمن القومي لتركيا، وشن إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» حرباً اقتصادية ضد أنقرة، والتورط الأمريكي في الانقلاب العسكري الفاشل في منتصف عام ٢٠١٦، وإيواء واشنطن الداعية التركي «فتح الله غولن»، الذي صرح بتطلعه لتغيير النظام العلماني التركي إلى آخر إسلامي، وتشير السلطات التركية إلى أنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب العسكري الأخير.
وتتمثل القضايا التي تتسبب في توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا من وجهة النظر الأمريكية في الجهود التركية لتعقيد المجابهة الدولية لتنظيم (داعش)، والضربات العسكرية ضد الأكراد السوريين الذين تدعمهم واشنطن لدورهم المحوري في محاربة التنظيم الإرهابي، وتصريحات الحكومة التركية المعادية للولايات المتحدة، وقمعها للصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني، والأقليات، ما يتناقض مع قيم المجتمع الأمريكي ومبادئه، ويتعارض مع القواعد الأساسية لعضوية أنقرة في الناتو.
لكن أحد الأسباب الرئيسية لتوتر العلاقات الأمريكية-التركية في الآونة الأخيرة يكمن في سعي أنقرة إلى شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية (S-400)، التي ثير هواجس الولايات المتحدة؛ لتخوفها من أن شراء أنقرة للمنظومة والاعتماد على موسكو في الصيانة وقطع غيارها، في وقت كان مخططا فيه مشاركة أنقرة في برنامج تطوير المقاتلة الأمريكية «إف-35»، وهي أحدث طائرة عالية التقنية في المخزون العسكري الأمريكي، سيجعل موسكو في وضع يمكنها من جمع معلومات استخباراتية مهمة عن تلك الطائرات، وهو ما دفع الكونجرس الأمريكي بمجلسيه (مجلس النواب والشيوخ) إلى إعادة النظر في تسلم أنقرة الطائرات الأمريكية. فضلاً عن تخوف الإدارة الأمريكية من انجراف تركيا بشرائها المنظومة الروسية بعيداً عن العالم الغربي باتجاه موسكو.
وتعارض إدارة الرئيس «ترامب» شراء تركيا منظومة الدفاع الروسية، لأنها تتعارض مع نظيرتها الأمريكية «باتريوت»، التي تود الولايات المتحدة بيعها لأنقرة. وقد بذلت واشنطن وفقاً للقائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي «باتريك شاناهان» جهوداً مضنية لكي تثني أنقرة عن شراء «إس-٤٠٠» بخفض سعر الصفقة الأمريكية، حيث قال في مارس الجاري، إنه يحاول إيجاد حل يجعل طائرات «إف-٣٥» لتركيا كشريك استراتيجي مكسباً مهماً في قواتها المسلحة، إلا أن أنقرة رفضت التراجع عن صفقة شراء المنظومة الروسية، حيث أكد «نعمان قورتولموش»، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي أن دولته لن تتراجع عن شراء المنظومة الروسية، بالرغم من انزعاج الولايات المتحدة من الصفقة؛ لأن الأخيرة رفضت طلباً تركياً لشراء منظومتها الدفاعية «الباتريوت». وأضاف إذا كان لدى واشنطن مقترح حول صفقة لبيع منظومة الباتريوت لتركيا، فإن أنقرة مستعدة للتفاوض معها بهذا الخصوص.
كما أعلن «مولود تشاووش أوغلو» رئيس الوزراء التركي أن دولته لن تتراجع عن شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية، وأن هذه الصفقة قطعية والتراجع عنها غير وارد. وأوضح «أوغلو» أن أنقرة أبلغت واشنطن بعدم جدوى النقاش حول صفقة شرائها للمنظومة الروسية، على اعتبار أن الصفقة قد تمت. وأضاف أنه في الوقت الراهن تتم مناقشة موعد تسلم المنظومة مع الجانب الروسي.

وقد صرح «إسماعيل دمير»، رئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية، بأن بلاده تتوقع بدء تسلمها في يوليو المقبل.
سيؤثر التصميم التركي على شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية (S-400) على إمكانية استعادة العلاقات الأمريكية-التركية سابق عهدها، التي وصفت بالعلاقات الاستراتيجية، لتقارب أنقرة مع موسكو التي تنظر إليها كافة مؤسسات صنع القرار الأمريكي على أنها العدو الرئيسي للولايات المتحدة بجانب الصين، باعتبارهما قوتين تعديليتين في النظام الدولي، وليس الإرهاب العالمي كما كان في السابق. وقد نصت على ذلك استراتيجيتا الأمن القومي لعام ٢٠١٧، والدفاع الوطني لعام ٢٠١٨ لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).
ولهذا يُتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيدا من التوتر خلال الأشهر القادمة مع التقدم التركي في شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية، وتأثير ذلك على أي محاولات لمعالجة تباين المصالح الأمنية للدولتين في الوقت الراهن، واختلاف الأولويات الأمريكية والتركية في منطقة الشرق الأوسط، بل وتعارضها في كثير من الأحايين، في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من المنطقة، فيما تعزز موسكو من وضعها في أزمات وصراعات المنطقة، ما جعلها اللاعب الرئيسي في مستقبل أي تسوية سياسية لها. وهو الأمر الذي دفع أنقرة إلى التقارب الاستراتيجي مع موسكو للحفاظ على مصالحها وأمنها القومي بالمنطقة، ولا سيما مع تدهور العلاقات الأمريكية-التركية، وكذلك التركية-الأوروبية لمعارضة دول الاتحاد الأوروبي التقارب التركي-الروسي الذي يتعارض مع المصالح والأمن الأوروبي.
ويضاف إلى ما سبق، تطهير الرئيس التركي جيش بلاده بعد الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016 من الموالين للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، في إطار جهوده للسيطرة على مؤسسات الدولة، وتعيين كوادر قيادية جديدة في المؤسسة العسكرية تدين بالولاء له وليس للمؤسسة العسكرية التي كانت قريبة في عقيدتها وتوجهاتها الاستراتيجية من نظيرتها الأمريكية والأوروبية.
بيد أن هذا التوتر في العلاقات قد لا يستمر طويلاً، نظراً لحاجة تركيا والولايات المتحدة إلى بعضهما بعضاً، حيث لا ترغب واشنطن في التضحية بأنقرة كحليف مؤثر في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تكشفه الزيارات المتكررة لمسؤولين بالإدارة الحالية، ولا سيما العسكريين والاستخباراتيين، لتركيا لحل القضايا الخلافية بين البلدين. وفي الوقت ذاته لا تفضل أنقرة الابتعاد عن القوى الغربية وواشنطن، لأن تحالفها مع روسيا تفرضه التطورات المتسارعة في المنطقة، ولا يتوقع أن يستمر في ظل عدم تضحية تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وعضوية حلف الناتو مقابل علاقات آنية مع روسيا.

* باحث متخصص في الشؤون الأمريكية بمجلة السياسة الدولية - مؤسسة الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"