حربان في سماء المنطقة

05:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
في أجواء العراق وسوريا واليمن تنشب حربان . الأولى يخوضها تحالف عربي ودولي ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي . والثانية حرب عربية تخوضها عشر دول من بينها خمس دول خليجية ضد جماعة الحوثيين الانقلابية المدعومة من طرف إقليمي والتي تهدد دول الجوار . السلاح الجوي يجمع بين الحربين . كما تجمع بينهما مشاركة أطراف عربية في الحربين معاً .
إنه وضع لا سابق له . التوترات السياسية والأمنية العالية في الإقليم لم تجد حلاً سياسياً لها . في هذه الظروف نشأت "داعش" كخطر إرهابي عابر للحدود مستفيدة من الفوضى الأمنية وانسداد الحلول السياسية الوطنية . وفي هذه الظروف أيضاً تنامت ظاهرة الحوثيين الذين قاموا بتطويق ثورة فبراير/ شباط 2011 اليمنية بتنسيق مع الرئيس السابق علي أحمد صالح، وبإجهاض المبادرة الخليجية، وتقويض مخرجات الحوار الوطني، والاستيلاء على الدولة بقوة السلاح . كان يمكن أن تكون تلك التطورات شأناً داخلياً، لو أنها لم تأت في سياق تمدد النفوذ الإقليمي لطرف بعينه، ولو أن الانقلاب لم يحظ بدعم عسكري وسياسي سافر من هذا الطرف بالذات .
تكشف الحربان عن فرز جديد في المنطقة . هناك أغلبية ترى أن مكافحة "داعش" في العراق وسوريا وغداً في ليبيا، هي مكافحة واجبة ومطلوبة وشرعية لاستئصال هذا التنظيم البربري . والقضاء على خطره الماحق على الدول والمجتمعات والأقليات والأكثريات معاً! وتحظى هذه المكافحة بإجماع إقليمي ودولي لكن دولاً لا تشارك في هذه الحرب منها الصين وروسيا وإيران وتركيا . والى ذلك ترى هذه الأغلبية أن خطر "داعش" ينبغي ألا يحجب الأنظار عن مخاطر أخرى، تتمثل في وجود ميليشيات تحظى بدعم كامل من طرف إقليمي وتستغل الحرب على "داعش" من أجل توطيد نفوذها، ومن هذه الميليشيات الجماعة الحوثية، ونحو ثلاثين ميليشياً في العراق . في قناعة هذه الأغلبية أن هذين الطرفين يسوغ كل منهما لنفسه وجوده، بوجود الطرف الآخر . لكنهما معاً يقضمان سيادة الدول ومناعة المجتمعات ويمنعان من الوصول إلى توافقات وطنية، ويهددان دولاً بل يستبيحان الحدود .
بينما ترى أقلية في الإقليم والعالم الأمور من منظور آخر يستند إلى مصالح خاصة، فروسيا والصين تريان أن الحرب على "داعش" ثم الحرب على الحوثيين بأنها تعزز نفود الولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم، وأنه من الأفضل ترك هذه الأمور للدول والشعوب من دون تدخل خارجي . علماً بأن الأمم المتحدة أصدرت قرارات عن مجلس الأمن ضد المخاطر الإرهابية في منطقتنا . وأن الأمن والسلام لا يمكن أن يتجزأ بترك بؤر إقليمية في حال اشتعال دائم، ولمجرد أن هذا الاشتعال لا يهدد المصالح الروسية والصينية . بينما ترى إيران أن مكافحة "داعش" والانصراف إلى هذه المكافحة وحدها دون غيرها، يوفر لها فرصة التسلل هنا وهناك لبناء إمبراطورية فارسية في قلب العالم العربي على ما صرح علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني، وذلك بدعم الميليشيات الرديفة والحليفة، وهو ما يفسر مشاعر الصدمة في طهران إزاء اندلاع حرب "عاصفة الحزم" ضد الجماعة الحوثية .
في هذه الاثناء فقد وفّرت القمة العربية دعماً للحرب الأخيرة، ومنحتها زخماً سياسياً حتى قبل أن تلتئم القمة، وذلك بالنظر إلى المواقف التي اتخذها اجتماع وزراء الخارجية العرب الممهد للقمة .
وإذا كان التطور الأخير الذي بدأ مع الساعة الأولى من فجر الخميس 26 مارس/ آذار الجاري، قد حجب الأنظار عن حرب التحالف الدولي ضد "داعش"، فواقع الأمر أن هذه الحرب مستمرة ولا سقف زمنياً لانتهائها . علماً بأن تعقيدات الأزمة السورية وانسداد فرص الحل السياسي تسهم في حجب الأنظار عن هذه الحرب، وكذلك الوضع المعقد في العراق، الذي اضطر التحالف الدولي مؤخراً إلى رفض مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي في تحرير تكريت، مخافة انحراف هذه المعركة عن أهدافها .
والآن ومع مشاركة عدد كبير من الدول العربية في الحربين، ومع تقديم الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والاستخباري ل "عاصفة الحزم" والتأييد السياسي لأهدافها المعلنة، فإن لنا أن نتوقع دوام الحربين لفترة غير قصيرة . فالحرب الجوية على "داعش" منذ نحو ستة أشهر لم تضع حداً لوجود هذا التنظيم الذي سرعان ما ظهر بعدئذ على الأرض الليبية وإن كانت قد أضعفت من قدراته القتالية ومن فرص تحركه داخل العراق وبدرجة أقل في سوريا، كذلك الأمر فإن الحوثيين يواصلون قتالهم للسيطرة على البلاد والعباد، رغم الأضرار الجسيمة والهائلة التي لحقت بهم منذ الساعات الأولى للعمليات ضدهم مستغلين انقسامات الجيش اليمني .
هذا الوضع يملي بناء تفاهمات واسعة وراسخة بين الأطراف المشاركة في الحربين، على أن يمتد هذا التفاهم ليشمل الدول المؤيدة لخوض هاتين الحربين حتى لو لم تشارك في إحداها . والهدف ليس إعلاء شأن الحرب على السياسة، بل قطع الطريق على التمدد العسكري والمسلح في قلب العالم العربي، وإعادة التوازن الاستراتيجي، وتصحيح المعادلة المختلة والتي بدأ تصويبها بالفعل مع اندلاع حرب "عاصفة الحزم"، فيما مكافحة إرهاب "داعش" تتواصل على قدم وساق وهو ما يضع حاضر ومستقبل المنطقة على سكة سليمة وجديدة .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"