إفريقيا «ترتجف» من «كوفيد - 19»

02:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أميرة محمد عبدالحليم

في ظل الانتشار الوبائي لفيروس كوفيد 19، واجتياحه دولاً كثيرة في العالم، لم تتمكن الدول الإفريقية من أن تظل بعيدة عن تفشي هذا الفيروس القاتل وسط مواطنيها، إلا أن قصة هذا الفيروس ستحمل في إفريقيا سيناريوهات مخيفة، نظراً لما تعانيه العديد من دولها، في ظل نقص الموارد، وتداعي السياسات الصحية، فضلاً عن انتشار أمراض خطيرة أخرى في القارة، منها الإيدز، والملاريا، ومرض الإيبولا الذي اجتاح إقليم غرب إفريقيا منذ عام 2013 وأودى بحياة 11 ألف شخص، وأمراض أخرى كثيرة تتدرج في خطورتها، إلا أنها تتوحد في إشارتها إلى ضعف القدرات الصحية لدى العديد من الدول الإفريقية.

منذ اكتشاف أول حالة مصابة بفيروس كورونا، وهي لسائح ألماني في مصر في 14 فبراير/ شباط، وتبعها اكتشاف أول إصابة في أقاليم جنوب الصحراء في نيجيريا، وصلت أعداد المصابين بهذا الفيروس إلى أكثر من 5 آلاف حالة، حيث اجتاح الفيروس 49 دولة إفريقية، وتدرجت هذه الدول في معدل الإصابات، وكذلك الوفيات، حيث ظهرت أعلى الإصابات في جمهورية جنوب إفريقيا.
وكغيرها من البلدان، اتخذت بعض الدول الإفريقية إجراءات احترازية لمنع انتشار الوباء، فعلقت الرحلات الجوية إلى الدول التي انتشر فيها الوباء في العالم، كما أغلقت المدارس، مع إلغاء العديد من اللقاءات والتجمعات.


أزمات متعددة


إلا أن انتشار هذا الفيروس، وعلى الرغم من أنه يسجل حالات قليلة في القارة بالمقارنة بمناطق أخرى من العالم، فإنه يحمل العديد من التحديات، التي تلوح في الأفق أمام مستقبل العديد من الدول الإفريقية، ففي قارة تعاني جملة من دولها العديد من الأزمات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، يأتي انتشار هذا الفيروس ليعيد طرح التحديات التي تواجهها دول القارة، ولكن بطريقة أشد وطأة على حياة مواطنيها، ولا يتوقف الأمر على التحديات الداخلية فقط، ولكن أيضاً ستؤثر التداعيات التي سيتركها هذا الفيروس بالقارة في مكانتها الدولية، وعلاقاتها الخارجية.
فعلى الرغم من انتشار أفكار ترى أن مواطني إفريقيا قد يكونون الأكثر حظاً في النجاة من انتشار هذا الفيروس القاتل، حيث ينتمي قطاع كبير من مواطنيها إلى شرائح العمر الصغير، كما تقع العديد من دولها في نطاق المناخ الاستوائي وشبه الاستوائي، وما يتسم به من ارتفاع في درجة الحرارة، قد تساهم في قتل الفيروس، فضلاً عن امتلاك دول عدة في القارة خبرات واسعة في السيطرة على الأمراض شديدة العدوى والمميتة، كما أتاح تأخر وصول الفيروس للقارة للحكومات العمل مع منظمة الصحة العالمية لتعزيز التنسيق في حالات الطوارئ وتحسين المراقبة وبدء تجهيز مراكز العلاج، تظل مناطق واسعة في القارة الإفريقية تحت تهديد هذا المرض، في ظل انتشار عوامل الضعف المرتبطة بالصراعات، والإرهاب، والفوضى، التي تزيد من الفئات التي لا تمتلك الكثير من الدعم المادي والحماية الاجتماعية، ومن هؤلاء اللاجئون، والنازحون، والمهمشون،، فلا تزال قطاعات من السكان في العديد من دول القارة لا تقع تحت مظلة الخطط الحكومية، ما يجعل مناطقهم تعانى نقص الخدمات، وأهمها الخدمات الطبية، كما تعانى الكثير من الدول الإفريقية في أقاليم جنوب الصحراء نقص أسرة العناية المركزة في المستشفيات، كما أن البيئة الاجتماعية للعديد من المنازل تعاني سوء التهوية، في الوقت الذي تعاني فيه مدن رئيسية في دول القارة نقص إمدادات المياه خلال السنوات الأخيرة، كنتيجة للتغيرات المناخية، ونقص الموارد اللازمة لتطوير بنية تحتية لتوصيل هذه الإمدادات، وكذلك النمو السكاني الكبير، فضلاً عن الفقر الذي تعانيه قطاعات كبيرة من السكان، خاصة في أقاليم جنوب الصحراء، حيث يعيش 41% من هؤلاء السكان تحت خط الفقر الدولي، وهذا الفقر قد يحول دون قدرة السكان على شراء المطهرات، والأقنعة، وغيرها من المتطلبات الضرورية للوقاية من الفيروس.

تداعيات خطيرة

وكان تحليل أجرته مؤسسة راند، في عام 2016، أظهر أنه من بين 25 دولة في العالم الأكثر تعرضاً للفيروسات المعدية، توجد 22 دولة في إفريقيا. فإذا ظهر مرض معدٍ داخل هذه السلسلة من البلدان، فإنه يمكن أن ينتشر بسهولة عبر الحدود في جميع الاتجاهات.
أما على مستوى علاقات القارة الإفريقية الخارجية، فيبدو أن هذا الفيروس ستكون له تداعيات خطيرة على العديد من أبعاد هذه العلاقات، فقد حذرت اللجنة الاقتصادية لإفريقيا في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، من أن أزمة الفيروسات التاجية التي تتكشف يمكن أن تضر بشكل خطير بالنمو في إفريقيا، مع خسارة الدول المصدرة للنفط لما يصل إلى 65 مليار دولار أمريكي من عائدات النفط الخام، مع استمرار أسعار النفط في الهبوط، كما يتوقع أن تخسر إفريقيا نصف ناتجها المحلي الإجمالي مع انخفاض النمو من 3.2% إلى نحوا 2% بسبب عدد من الأسباب التي تشمل تعطل سلاسل التوريد العالمية، نظراً لارتباط القارة بالاقتصاديات المتأثرة في الاتحاد الأوروبي، والصين، والولايات المتحدة، ما قد يتسبب بآثار متتالية، كما ستعاني القارة انخفاض عوائد الصادرات من النفط، مع انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، في ظل ارتفاع أسعار الأدوية المستوردة، وانتشار البطالة.
ومع تأكيد تقارير مختلفة أن مصدر العدوى بالفيروس في إفريقيا يأتي عبر الأوروبيين، إلا أن بداية انتشار الفيروس في مدن الصين، قد انعكس على الروابط التي تجمع الصين بالعديد من الدول الإفريقية.
وتظل السيناريوهات غير محددة لتطور انتشار فيروس كورونا، وتأثيراته المختلفة في إفريقيا، مع التقديرات المخيفة حول القدرات الصحية، والأزمات التي تعانيها دول القارة، إلا أن الأمل يظل معقوداً على أن تتحول التحديات التي يتوقع أن تواجهها دول القارة خلال الفترة المقبلة من جراء انتشار كورونا، إلى فرص جديدة تعيد تشكيل علاقات الدول الإفريقية فيما بينها، وعلاقاتها بالعالم، بما يسمح بتفعيل الآليات الإقليمية للتعاون، من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة، والقضاء على حالة الاستغلال الدولي الذي تعانيه القارة عبر تاريخها الحديث، كما يتوقع أن تتراجع الصراعات، وكذلك يمكن أن تخفض الجماعات الإرهابية من عملياتها، في ظل انشغال الجميع بتفادي انتقال عدوى كورونا، وقد تصبح هذه المرحلة بداية لتحقيق السلام، وتنفيذ اتفاقيات تقاسم السلطة، وإرساء الاستقرار في القارة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"