أدب المراهقين.. خجول عربياً

03:29 صباحا
قراءة 6 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس

وزع الجزء السادس من سلسلة «هاري بوتر» حوالي عشرة ملايين نسخة في أيام قليلة بعد صدوره، وترجمت السلسلة بأكملها إلى معظم لغات العالم، وتحولت إلى أفلام سينمائية شهيرة، و«هاري بوتر» نموذج دال من عشرات النماذج الأخرى التي تؤكد ثقل «أدب المراهقين» في أنحاء كثيرة من العالم، ربما باستثناء الأدب العربي، الذي لا يعترف حتى هذه اللحظة بهذه النوعية من الأدب، أو ينظر إليها النقاد بفوقية أو بتحسس، ويضعونها ضمن الأعمال السطحية أو الخفيفة التي تهبط بالذائقة.

بغض النظر عن الرأي النقدي العربي التقليدي، الذي لم يحاول حتى أن يدرس نماذج «هاري بوتر وغيره ويتعرف إلى أسباب رواجها، فإن الحاجة ماسة إلى هذا النوع من الأدب في الثقافة العربية، خاصة أن لا حديث لنا إلا عن الارتقاء بالقراءة والوصول بمعدلاتها إلى مستويات عالمية، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة موزونة من سكان العالم العربي تنتمي إلى المرحلة العمرية المسماة ب«المراهقة». صحيح أن بعض كتابنا اتجه مؤخراً إلى هذه الفئة، ولكنه لا يزال توجهاً خجولاً يتعثر نتيجة للعديد من المعوقات التي حاولنا الإطلالة عليها في هذا الملف من «الخليج الثقافي».

أكد كتاب ومثقفون، أن المراهقة مرحلة مهملة في الأدب العربي المعاصر، على الرغم من أن الوطن العربي يزخر بالكتاب المختصين، وبإمكانهم أن يستلهموا أدب الخيال في التراث العربي القصصي، وأن يقدموه إلى فئة المراهقين.

وقالوا في استطلاع ل «الخليج» إن الاهتمام بفئة المراهقين هو اهتمام وصون لأي حضارة، للإبقاء على مكتسباتها والمثابرة في تحقيق ذاتها، في بعض الأحيان تتواجد رواية اليافعين أو المراهقين، لكنها من دون هوية أو تحديد لشكلها وجمهورها، بمعنى غياب التصنيف عنها، الأمر الذي يفقدها القدرة على الوصول إلى جمهورها الحقيقي.

يقول الروائي والقاص حارب الظاهري «من المهم أن نعترف بتفوق الأدب الغربي على الأدب العربي بمراحل كبيرة، ولذلك علينا أن نستفيد منه في ترجمة الكثير من الأعمال الفنية، فالثقافة العربية الحاضرة بائسة وغير ناضجة، ونحن نحتاج إلى رؤية تتماهى مع الثقافة بوتيرة متجانسة، وتمنحنا القدرة على إبداع أدب للمراهقين، ونحن نعلم جيداً بأن ما يطرح من كتابات في هذا الحقل الأدبي في الغرب يفوق الوصف، لكن الكم ليس مقياساً لرؤية متخصصة قد يعول عليها في المستقبل».

ويضيف: «ولذلك توجه النشء العربي إلى «هاري بوتر» وغيره من القصص الغربية؛ بل استفاد الكبار أيضاً من الأعمال المترجمة».

ويؤكد أننا إذا أردنا أن نجاري العالم ثقافياً ونصنع أدباً عربياً موجاً للمراهقين علينا أن نخلق بيئة ثقافية صحيحة ومنهجية، مع اليقين بأن الوطن العربي يزخر بالكتاب المختصين في هذا المجال المتسع، وبإمكانهم أن يستلهموا أدب الخيال في التراث العربي والقصصي، وأن يقدموه إلى العالم؛ بل هناك من سبقنا من الغرب في ترجمة قصصنا والاستفادة من هذا التراث الجميل، لكن أين هذه البحوث المتخصصة في هذه القضية؟ ومن يدعم المؤسسات الثقافية لتقوم بتحويل الأعمال والمشاريع الثقافية والفنية إلى حاضر ملموس؟

مرحلة خطرة

يقول الناقد الدكتور شعبان أحمد بدير، مدرس بجامعة الإمارات: المراهقة مرحلة خطرة وغير محددة في الأدب العربي المعاصر، وموزعة بين أدب الأطفال والأدب الموجه للناضجين، وذلك ليس ناتج عن تعالى الكتاب والشعراء ولكن ناتجاً ربما عن عدم القدرة عن الوصول إلى هموم هذه الفئة والعجز على معايشتها والتعبير عنها، ويعود كذلك إلى انصراف تلك الفئة عن القراءة، والتوجه إلى الأجهزة الحديثة والتقنيات المتطورة، ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة التي صارت تستهلك وقت جميع الفئات العمرية، وخصوصاً المراهقين، مما جعل الكتاب يشعرون بأن تلك المرحلة السنية ليست هي السوق الرائجة لأفكارهم وإبداعاتهم، فانصرفوا عنها، ومما يؤكد ذلك أن مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، شهدت تطوراً في هذا الجانب؛ حيث صدرت بعض السلاسل الروائية والقصصية مثل سلسلة نبيل فاروق «ملف المستقبل» التي طبعت أولى إصداراتها عام 1984 ولاقت رواجاً كبيراً في أوساط المراهقين والشباب على السواء.

ويلفت إلى أن عالمنا العربي لا يزال يفتقر إلى روايات الخيال العلمي والفنتازيا التي كانت وما زالت تجذب اليافعين في روايات (هاري بوتر)، والسبب في ذلك يعود إلى أن السارد العربي ما زال يعيش أزمات مجتمعه حتى غرق الكثير منهم في تفاصيلها ولم يعد يتركها عنها إلا ليبحث عن الرمز الذي يعبر به عنها بشكل خفي إن تأزم البوح بها صراحة، فابتعد السارد العربي كثيراً عن روايات الخيال العلمي التي ليست ترفاً كما يظن البعض؛ بل هي أحد أعمدة الإبداع والابتكار التي نتطلع إليها في بناء جيل واعد، ولن يأتي ذلك إلا من خلال الابتعاد بعض الشيء عن هموم الواقع والبحث عن عوالم موازية وهذا لم يتحقق في روايات مستقلة؛ بل عولج من خلال بعض الروايات العربية المعدودة مثل بعض روايات أميمة خفاجي، وأحمد خالد توفيق في رواية (يوتوبيا) وأحمد السعداوي في روايته (فرانكشتاين في بغداد) وبعض روايات طيبة أحمد إبراهيم مثل: (الإنسان الباهت)، و (إيكادولي) لحنان لاشين، وحاول عمرو عبد الحميد تجربة الخيال العلمي في رواية (أرض زيكولا)، لكنه نحا نحو الأسطورة، والخروج نحو الفنتازيا والعوالم الموازية.

ويرى دكتور بدير، أن الأرض الخصبة تتوفر الآن للكاتب العربي لإنتاج مثل هذا الأدب مع التقدم التقني، ولذلك عليه أن يبتعد عن التقليد الباهت للروايات الغربية وأن نفهم حقيقة الخيال العلمي، وأنه ليس مجرد هجرة للواقع باللجوء إلى عوالم الفنتازيا، بقدر ما هو استغلال للتطور العلمي والتكنولوجي، بما يجذب المراهقين الذين تقدموا بدورهم كثيراً حتى صار بينهم وبين العديد من الكتاب الكثير من السنوات الضوئية.

تدهور

وتقول الدكتورة مريم الهاشمي، كاتبة وناقدة: «تذهب الكثير من الأقلام إلى فرضية، أن ما بعد الحداثة أدت إلى التدهور الثقافي الذي بدأ يتغلغل في الوعي المجتمعي، و أدت إلى ظهور جيل جديد برطانة اللغة المركبة وإلى ظهور هوية مطموسة المعالم، مما جعل لزاماً على أصحاب العقول الالتفات للوضع الراهن، لكن من جانب آخر فجوهر الهوية الأصيلة دائماً محل استعصاء على من يلوي قيمها، وموضع استحالة لمن يسعى إلى ثني سبيلها، إن الاهتمام بفئة المراهقين هو اهتمام وصون لأي حضارة، للإبقاء على مكتسباتها والمثابرة في تحقيق ذاتها من خلال وجود توازن للخروج من عنق الزجاجة والانفلات من الورطة الفكرية التي ذكرها ابن خلدون منذ قرون: المغلوب مولع دائماً بالاقتداء بالأغلب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده».

غياب التصنيف

تقول الروائية فاطمة سلطان المزروعي: «الكتابة الروائية كما هو معروف لها عدة مواضيع؛ منها الرواية البوليسية وهناك التاريخية، فضلاً عن الرواية الاجتماعية وأخرى تعرف بالسياسية، وكذلك الرواية الواقعية وأنواع أخرى مثل الرواية العاطفية أو الشعرية أو رواية التعساء والمشردين..الخ، ولا يوجد إطار محدد للتصنيفات لأن الأعمال الروائية متعددة المواضيع، ويمكنها التوجه نحو أي موضوع حياتي وجد المؤلف أنه مناسب ليكون موضوعاً لروايته، في المجمل يتميز التأليف الروائي بأنه واسع ومتعدد ويمكنه استيعاب أي قضية أو أي موضوع، من هذه الأنواع الروائية، تحضر الرواية الموجهة إلى المراهقين أوالتي يطلق عليها البعض تسميات أخرى مثل: رواية اليافعين، قد يكون هذا النوع تحديداً غريب على البعض، والحقيقة هو موجود وإن كان غير مطروق في مجتمعاتنا العربية، وفي أحيان أخرى تتواجد رواية اليافعين أو المراهقين، لكنها دون هوية أودون تحديد لشكلها وجمهورها، بمعنى يغيب التصنيف عنها، وغياب التصنيف يفقدها القدرة على الوصول إلى جمهورها الحقيقي، ونلاحظ أن البعض يقدم عملاً روائياً متميزاً، لكنه يتعرض لنقد قاس.

و الملاحظ في هذا العقد الأخير تنامي الاهتمام بهذا النوع؛ حيث نشهد عدداً من الأعمال التي تحمل طابعاً شبابياً، وفي اللحظة نفسها تجد الإقبال، وهناك طلب عليها، ومثل هذا التوجه طبيعي لأسباب عدة، منها أن الروائي نفسه والمؤلف دوماً مسكون برغبة التواصل مع الجمهور، وهو يدرك تماماً أن هذه الفئة لا يهتم بها أحد ولم تكن موضوعاً رئيسياً في الأعمال الأدبية، أو أن التوجه نحوها ومناقشة همومها والكتابة عن هواجسها وأحلامها ليست بالمستوى المطلوب ولا يتوافق مع شرائحها المتسعة، الجانب الآخر من المسألة يتعلق بالحراك التي تحدثه هذه الفئة في المجتمعات، فهي صاخبة وقضاياها متعددة، وقد ساعدت تقنيات الاتصالات الحديثة في ظهورها على سطح الأحداث؛ بل في انتشارها على نطاق واسع، مما جعل هذه القضايا والمواضيع حديث الناس، ومن هنا بدأ البعض من المؤلفين الالتفات إلى هموم هذه الفئة وتحويلها إلى أعمال روائية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"