حكومة علّاوي والمأزق العراقي

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمد السعيد إدريس


يواجه العراق مأزقاً سياسياً بعد تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة بسبب الانقسام حوله بين مؤيد ومعارض داخل الحراك الشعبي وداخل الأحزاب.

يبدو أن عدوى الانقسام التي اجتاحت الحراك الشعبي اللبناني، وأدت إلى تمايز المواقف والرؤى، وما زالت تحول دون تمكين حكومة الدكتور حسان دياب من الانطلاق نحو مشروعها الوطني ولملمة أطراف الأزمة التي ما زالت تتهدد لبنان: مالياً واقتصادياً، ومن ثم اجتماعياً وسياسياً، وربما أمنياً، قد امتدت إلى العراق أيضاً.

فالانقسام الذي سيطر على الشارع السياسي العراقى منذ حادثة اغتيال الجنرال قاسم سليماني، ورفيقه أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقي، أدى إلى ظهور تيار آخر مميز في الحراك يعطي الأولوية لمطلب إنهاء كل وجود للقوات الأمريكية في العراق على حساب الأولويات الأساسية للحراك الشعبي المتفجر منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويطالب بإنهاء حكم المحاصصة السياسية، والتخلص من الطبقة السياسية الحاكمة، ومحاربة الفساد، وإيجاد حلول جذرية للأزمات المعيشية المستحكمة.

امتد الانقسام إلى داخل الحراك الشعب الذي يطالب بالتغيير السياسي والاقتصادي إلى انقسام حول شخص رئيس الحكومة الذي جرى تكليفه من جانب رئيس الجمهورية، واختاره من بين عشرات المرشحين.

فقد أدى تكليف وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاّوي كمرشح لتشكيل الحكومة، إلى تفجر انقسامات حادة في أوساط الحراك الشعبي بين من يؤيدون اختياره ويطالبون بإعطائه الفرصة اللازمة، وبين من يرفضونه من منطلق عدم مطابقته لمواصفات قادة الحراك الشعبي، ومنها ألا يكون شخصية جدلية، ولا يتجاوز عمره 55 عاماً، وألا يحمل جنسية مزدوجة، وأن يكون مستقلاً، ولم يسبق له أن تسلم أي منصب وزاري.

هذا الانقسام الجديد من شأنه أن يقلص فرص الحراك الذي يعطي الأولوية لإنهاء وجود القوات الأمريكية، على الرغم من وجود بوادر تأزم المحادثات التي تجرى بين مسؤولين عسكريين عراقيين وأمريكيين في العراق للبحث في مستقبل الاتفاقية الأمنية الأمريكية- العراقية، بسبب المطالب الأمريكية الجديدة بإدخال بطاريات صواريخ من طراز «باتريوت» إلى القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، ما يعني أن الأمريكيين لا يعطون أهمية كافية للقرار الصادر عن البرلمان العراقي بتكليف رئيس الحكومة اتخاذ التدابير اللازمة لإخراج كل القوات الأجنبية من العراق، وفي القلب منها القوات الأمريكية.

كما أن هذا الانقسام يمكن أن يعرقل فرص علاّوي في تشكيل الحكومة، بكل ما يمكن أن يؤدي إليه هذا الفشل من إدخال العراق ضمن دوامات من الفوضى وعدم الاستقرار، وارتباك الملفات ذات الأولوية، وإدارتها على النحو الذي ينهض بالعراق، ويحقق المطالب التي يثور من أجلها المشاركون في الحراك، علاوة على أنه يمكن أن يؤدي إلى توسيع فجوة انعدام المصداقية بين القوى والأحزاب السياسية.

ففي الوقت الذي أعلن فيه مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري دعمه لعلاّوي، وطلب من المنتسبين إلى تياره العودة مجدداً إلى الحراك الشعبي، تقف معظم الأحزاب والقوى الشيعية الأخرى ضد هذا الاختيار، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهات دامية بين أنصار التيار الصدري، وأنصار الكتل والتيارات الأخرى داخل الحراك الشعبي.

مؤشرات الصدام هذه يمكن أن تتفاقم في ظل إعلان رئيس الحكومة المكلف عزمه على تشكيل حكومته من خارج المحاصصة السياسية، أي من خارج القوالب الجامدة لهذه القوى والكتل السياسية المرفوضة من داخل الحراك، فضلاً عن إعلانه عدم قبول أية تدخلات، أو إملاءات، من أية جهة سياسية.

مشكلة علاّوي باتت مزدوجة، فهو مرفوض من داخل الحراك الشعبي الذي أخذ في التظاهر ضد اختياره رئيساً للحكومة، رغم أنه يؤكد أنه محسوب على هذا الحراك، وأنه حريص على أن يحقق مطالبه، خاصة التخلص من قاعدة المحاصصة السياسية، ومن الطبقة السياسية الحاكمة معاً، وهو أيضاً مرفوض من القوى والكتل السياسية التي ما زال لها الباع الطويل في إدارة حكم المحاصصة السياسية.

كيف سيحل علاّوي هذه الأزمة، وهل سيستطيع أن يشكل الحكومة؟ وإذا استطاع تشكيلها على النحو الذي يريده هل في مقدوره أن يحصل على ثقة البرلمان؟

مأزق تاريخي ربما يفرض الانتخابات المبكرة للبرلمان التي لوح بها السيد علي السيستاني المرجع الشيعي العراقي الأعلى بعد تلكؤ القوى والكتل السياسية في الإقدام على تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت بديلة لحكومة عادل عبدالمهدي كحل لا مناص منه للخروج من مأزق العجز الذي يسيطر على الجميع في العراق، لكن ليس هناك من في مقدوره أن يجزم أن هذه الانتخابات يمكن أن تأتي من خارج هذه الطبقة في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها العراق. وهنا بالتحديد يكمن مأزق المستقبل العراقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"