ما بعد الإخفاق المدوي

23:09 مساء
قراءة دقيقتين
كان تقرير فينوغراد، بالرغم من أنه لم يأت بزلزال يطيح رأس إيهود أولمرت، مهماً في جوانب كثيرة، سواء في ما أفصح عنه، أو في ما أخفاه. أكد التقرير ما شاهده الإنسان العادي، أو أدركه المتابع الخبير، من أن الغزو الإسرائيلي للبنان كان إخفاقاً كبيراً وخطيراً. واعترف أيضا بأن إسرائيل هي التي شنت الحرب، وهو اعتراف وإن كان لا يدهش المواطن العربي لخبرته بالعدوان الصهيوني على مدى عقود طويلة، لكنه ما كان ينبغي أن يمر على المجتمع الدولي مرور الكرام، لو بقي لمؤسساته بعض الاستقلالية التي يمكنها أن تتخذ في ضوء هذا الإعلان موقفاً، على الأقل، مستنكراً. غير أن مجلس الأمن أصبح مشلولاً بالفيتو الأمريكي حتى فقد كل صدقيته. فهو لم يعد يرى العدوان في قمة حدوثه إن لم تره الولايات المتحدة، بل بات يراه حيثما تراه عيون الصقور فيها.لكن التقرير فقد قوة التقرير المبدئي الذي أطاح رئيس الأركان الإسرائيلي بعيد انتهاء الحرب. فهو وإن اعترف بمسؤولية القيادة السياسية، لكنه ميعها حتى توزعت بين الحكومات المتعاقبة. يريد أن يقول إن سوء الأداء لم يكن ظرفياً، إنما كان هيكلياً يتصل بضعف أداء في المؤسسة العسكرية والسياسية نفسها، كما يتعلق بأداء الخصم من جهة أخرى.ولعل التقرير أدرك حجم المأزق الذي وجد الكيان نفسه فيه، فلم يرد أن يضاعف من حجم المرارة داخل المجتمع الإسرائيلي من الضعف الذي بدأ يدب في أركانه، ولا أن يؤدي إلى هزة سياسية تفاقم حدة الصراع داخله.ولذلك، فهو على ما يبدو اكتفى بأن تكون استقالة بعض القيادات العسكرية ووزير الحرب كبش فداء للإخفاق الذي حصل. لأنه إذا كانت أسباب الإخفاق هيكلية فإن معالجتها لن تكون إلا من جنسها، ولن تحلها استقالة هذا أو ذاك من المسؤولين.جدير بنا ونحن ننظر في التقرير من حيث أنه ينطوي على سلبيات الكيان الصهيوني، في أدائه للحرب، أو في مسؤوليته عن شنها، ألا نتغافل عن جانب آخر نتجاهل أحياناً تأكيده. فالتقرير مهما أظهر من سلبيات مؤلمة لمجتمع الكيان، فإنه ينطوي على ضرورة وجودية للكيان الصهيوني حيث إن كشفه لسلبياته أفضل من التستر عليها. فالكشف محفز على التقويم، ودافع للتغيير، بينما التستر يعني دوام الأسباب التي تؤدي إلى الإخفاق، وبقاء العلل التي تسرع بالانهيار.المهم، في المحصلة، متى يبدأ الكيان الصهيوني العدوان الجديد الذي أوحى، أو أوصى، به التقرير أركان العدو، والتي تتحدث المصادر كافة عنه، من أجل رد الاعتبار، وتبديد الاهتزاز عن صورة جيش الحرب الذي كان لا يقهر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"