حروب الفقر والمنظمات الإنسانية

04:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

طرحت منذ عقود من الزمن أسئلة كثيرة بشأن العلاقة ما بين السياسة والعمل الإنساني الذي تقوم به منظمات الإغاثة في مواجهة حروب الفقراء، كما طرحت الأسئلة عينها فيما يخص التدخلات العسكرية التي تقوم بها الدول العظمى، وبخاصة الغربية منها في مناطق النزاع والحروب؛ وقد أخذت تلك الأسئلة حيّزاً كبيراً من النقاش العمومي داخل المجتمعات المعاصرة وفي المحافل الدولية المهتمة بإدارة مشاريع السلام الهادفة إلى إنقاذ أرواح المدنيين.
وتذكر المصادر التاريخية أن الدول الكبرى سعت مع بداية الفترة الحديثة إلى استثمار مظلة العمل الإنساني من أجل خدمة أهدافها السياسية، ويمكننا أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قيام فرنسا سنة 1860 بالتدخل في لبنان بدعوى حماية الطائفة المارونية.
ويشهد العالم منذ نهاية مرحلة الحرب الباردة، والتي تزامنت مع بداية تفكك الكثير من الدول الوطنية مثل يوغسلافيا، انتشاراً واسعاً لحروب المجتمعات، بحسب الوصف الذي يطلقه عليها برتراند بادي، وهي حروب تدور رحاها في دول فاشلة وفقيرة، وتقودها مجموعات سياسية وعرقية ودينية مسلّحة. وتشكل المنظمات الدولية غير الحكومية عنصراً أساسياً وفاعلاً في المشهد العام لهذه الحروب المنتشرة في مناطق قوس الأزمة في إفريقيا وآسيا، ويختلط لديها العمل الإنساني مع النشاط السياسي بدرجات متفاوتة، بل ويبدو أن المنحى السياسي بات يطغى على تحركات الكثير منها، وبخاصة عندما ترفع شعار حماية حقوق الإنسان.
وعادة ما يكون هذا التوجّه السياسي أقل بروزاً لدى هيئات الإغاثة الإنسانية، مثل الصليب الأحمر الدولي، الذي تأسس سنة 1863 في سويسرا، والذي أكد أن من أهدافه الرئيسية، العمل على حماية ضحايا النزاعات المسلحة وتقديم المساعدة لهم، وجاءت اتفاقيات جنيف الأربع التي جرى اعتمادها سنة 1949 من أجل ترسيخ تشريعاته الإنسانية، التي خضعت لاحقاً لبعض التعديلات في سنتي 1977 و 2005 ، وذلك من أجل دعم منظومة القوانين الدولية الهادفة إلى تقليص معاناة المدنيين، وهي قوانين تستند في مجملها على قيم إنسانية مشتركة منتشرة في مختلف الحضارات والأديان، تدعو إلى حماية النساء والأطفال والشيوخ وإلى احترام كرامة السجناء والأسرى.
ويذهب بيتر مورر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى أن محاولة تطبيق القوانين الإنسانية في ساحات الحروب، تعترضه صعوبات كبيرة، لأن أطراف النزاع عادة ما يرفضون الالتزام بهذه القوانين بدعوى أن الطرف المعادي لا يريد الاعتراف بها، وبالتالي فإنه، وعوض أن يتعامل المتحاربون مع القانون الدولي الإنساني، بوصفه معياراً يتوجّب عليهم قبوله وتطبيقه، فإنهم ينظرون إليه كمنّة أو كامتياز يحق لهم التصرف فيه وفق ما يحلو لهم. كما يرى مورر أن نقطة الاختلاف الرئيسية ما بين لجنة الصليب الأحمر الدولي وباقي المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني، تكمن في أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تتخذ مواقف علنية ومباشرة من الأطراف المتحاربة، وتعتمد على توجيه الانتقاد عوض الاتهام، الذي من شأنه أن يجعل من اللجنة طرفاً في الصراع، وذلك في سياق ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الإنسانية التي تجعل الصليب الأحمر يؤمن أن الجرائم الاستثنائية التي ترتكبها الجماعات المتطرفة ، لا تبرِّر استثناء القانون أو عدم الالتزام بالمواثيق الدولية، وبالتالي فإن المجتمعات مطالبة- كما يضيف مورر- بمقاومة رغبتها في تحقير العدو ونزع صفة الإنسانية عنه.
إن الالتباس الذي يميّز تدخلات المنظمات الإنسانية ذات الأجندات المتباينة، ناجم في المقام الأول عن تعدد طبيعة المهام التي تقوم بها بحسب مناطق النزاع والتنازلات التي تقدّمها لكل طرف من أطراف الصراعات المسلحة من أجل ضمان وصول مساعداتها الإغاثية إلى السكان المدنيين، ويطرح كل ذلك تساؤلات جدية بشأن مصادر تمويل هذه المنظمات، وبشأن حصولها على حماية شركات أمنية دولية توجد مقراتها الرئيسية في عواصم الدول الكبرى؛ ومن ثمة فإن عدم وجود مواقف وسياسات دولية موحّدة بشأن مناطق النزاع، لا يساعد المجتمع الدولي على تقديم حلول جدية تسهم في القضاء على أسباب النزاعات.
ويمكن القول في كل الأحوال، إن القسم الأكبر من النقاشات المتعلقة بالمنظمات الإنسانية، يتصل بشكل مباشر بحروب المجتمعات في الدول الفقيرة، لأن العمل الإنساني في الدول الغربية يتم بقيادة مباشرة من مؤسسات هذه الدول وبرعاية أمنية مباشرة من حلف الناتو بعيداً عن هيئات الأمم المتحدة، وهناك شبه إجماع لدى المراقبين بأن المجتمع الدولي يحمي مصالح دوله المهيمنة أكثر مما يحمي حقوق المستضعفين في الأرض، ولا يلجأ إلى استخدام القوة العسكرية إلاّ عندما يشعر أن مصالحه أضحت مهددة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"