دعوة لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي (3+"5+6")

04:38 صباحا
قراءة 6 دقائق

حكاية إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، حكاية مملة، لفرط تكرارها أولاً، ولأن من يرددها، يفضل منطق السير بمحاذاة الجدران، ولا يمد رجليه إلاّ بقدر ما تتيحه مساحة فراشه ثانياً .

بعد نحو ثلاثة عقود ونصف العقد، من تبني إيران ومصر لمشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، لم يتقدم هذا المشروع خطوة واحدة إلى الأمام . رغم تكرار وجوده على جدول أعمال المنظمة الدولية منذ عام 1974 حتى الآن، ورغم تكرار ذكره في بيانات القمم الخليجية والعربية .

عقود صعبة مرت، تلاحقت فيها الحروب الوحشية، والمواجهات، وعصفت الأحداث والتصدعات والانهيارات بالعديد من الدول والمجتمعات، وتراجع الحوار والتعاون أمام لغة العنف والقطيعة، إرث العقود القاسية كان ثقيلاً، ولم ينجب دولة عربية واحدة رابحة، وبدا الجميع كمن يقيم مقذوفاً في عراء التاريخ بين نووي إسرائيلي واقع، وطموحات نووية إيرانية محتملة، فضلاً عن ألف روم خلف الروم كما يقال في الأمثال .

اختبارات عسيرة مرت أيضاً ولم توقظ النظام العربي الرسمي القطري الإقليمي على حد سواء، وإنما استمر السجال المراوح حول مشروع إخلاء الشرق الأوسط، بما فيه الخليج من الأسلحة النووية وبقية أسلحة الدمار الشامل، وظل يحلق عالياً خارج جاذبية الواقع، وفي إطار تسليم الأمور كلها للمصادفات والشعارات .

لا أحد سأل نفسه عن تعريف أو تحديد هذه المنطقة الجغرافية المسمّاة بالشروق الأوسط، لأن هذا التحديد ضروري لإعلان المنطقة الجغرافية الخالية من الأسلحة النووية، وفقاً لتعريف الأمم المتحدة التي تشترط تعيين حدود هذه المنطقة .

إن مصطلح الشرق الأوسط لا يزال مجرد مفهوم سياسي عام غير محدّدة معالمه الجغرافية أو الاستراتيجية أو الحضارية أو القانونية . صحيح أن هذا المصطلح هو بريطاني النشأة، لكنه كان فضفاضاً وهلامياً، وظلّ مفتوحاً للضم والخصم والإقصاء .

وفي السنوات الأخيرة، أضيفت إلى المصطلح كلمة الجديد أو الموسع أو الكبير، لتصل حدوده الجغرافية أحياناً إلى الباكستان وأفغانستان، وفقاً لرغبات القوى الكبرى المهيمنة على النظام العالمي، أو عند حدوث خلل في الموازين والمعايير الحاكمة .

من ناحية أخرى، فإن وجود عشر دول عربية في القارة الإفريقية، ضمن المنطقة الإفريقية الخالية من الأسلحة النووية، والموقعة على معاهدة (بيلندابا بجنوب إفريقيا عام 1995)، يُخرج هذه الدول العربية العشر من المشروع المقترح لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي . ولا يتبقى من الدول العربية سوى مجموعة دول مجلس التعان الخليجي الست، إضافة إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن والأردن، أما من غير العرب، فإن الدول المرشحة لهذه المنطقة الجغرافية الشرق أوسطية فهي إسرائيل وإيران وتركيا، ولعل هذا الإطار الذي يضم هذه الدول الـ(14) هو المقصود عملياً بالمنطقة الجغرافية الخالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، حيث تتميز بالتجاور الجغرافي، وبظاهرة ما يسمى بـالاشتباك الاستراتيجي والتنافسات والتحالفات والصراعات، فضلاً عن عدم الاستقرار .

إن الحاجة ماسة، واستراتيجية في آن، لتنفيذ فكرة هذه المنطقة الجغرافية الخالية من السلاح النووي، على غرار المناطق الجغرافية التي سبق إعلانها في قارة أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي عام (1967) وانضمت إليها (33) دولة، وأثبتت فعاليتها وقابليتها للاستمرار . إضافة إلى منطقة جنوب المحيط الهادي (1986) وتضم (12) دولة، ومنطقة القارة الإفريقية (52 دولة)، ومنطقة جنوب شرق آسيا (1996) وتضم عشر دول، ومنطقة دول آسيا الوسطى (1997) وتضم خمس دول .

لقد سارعت هذه المناطق الجغرافية المتجاورة إلى إنشاء هذه المناطق الخالية من الأسلحة النووية، بعد أن استشعرت مخاطر تطوير أو تخرين أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، وما تحمله من نتائج وخيمة ومدمرة للحياة والإنسان والبيئة والتنمية . وما تفرزه من مناخات انعدام الثقة، وفقدان الاستقرار، وتفتح الأبواب للانزلاق نحو سباق تسلح مخيف، ليستنزف الموارد، ويعطل عجلة التنمية، ويعمق التدخلات الخارجية .

من ناحية أخرى، فإن هذه المنطقة الجغرافية الشرق أوسطية تحمل أهمية جيوسياسية بالغة، ففيها المصدر الرئيسي للنفط والغاز والاحتياطي العالمي للطاقة، وفيها تتسع ظاهرة العنف الفكري والمادي، وتعيش حالة من اللاسلم واللاحرب، وفيها اتفاقيات سلام هشّ، وسباق تسلح تشعله عوامل موضوعية كثيرة، ومن بينها أيضاً وجود سلاح نووي مؤكد لدى إسرائيل، ووجود سعي وإمكانات وطموحات نووية لدى إيران، يصعب إخفاؤها، وقد تقود إلى مواجهات عسكرية تحرق الأخضر واليابس، في ظل رؤوس حامية هنا وهناك .

إن مبدأ حظر امتلاك الأسلحة النووية يمثل مطلباً أساسياً يسبق إنشاء أي نظام أمني إقليمي، أو معاهدة سلام شامل بين إسرائيل والدول العربية، أو حتى رابطة جوار إقليمي .

إن فكرة إخلاء هذه المنطقة الجغرافية الشرق أوسطية من السلاح النووي، فكرة ليست استثنائية في البيئة الدولية، ولا يجوز تأجيلها حتى تتم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، ففي القارة الأمريكية الجنوبية كانت هناك مواجهات عنيفة بين الأرجنتين والبرازيل، وكانت لدى الدولتين برامج عسكرية نووية متطورة، لكنهما دخلتا في معاهدة الحظر، وتخلصتا من هذه البرامج النووية، كما أن جنوب إفريقيا وبعد انتهاء الحكم العنصري فيها، قامت بتدمير القنابل النووية السبع لديها، بمعاونة دولية في عام ،1991 وانضمت إلى المعاهدة الإفريقية .

كما تخلصت أوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان من أسلحتها النووية، وانضمت إلى منطقة الحظر في وسط آسيا .

وكل هذه التجارب، أثبتت فعاليتها ودورها الكبير في بناء الثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة، وكان من الحكمة أن تنتبه مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، حينما وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، إلى ضرورة اشتراط نزع إسرائيل لسلاحها النووي، أو حتى طلب ضمانات أو تعهدات من إسرائيل النووية للانضمام إلى المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة النووية كشرط لقيام سلام إقليمي .

كلمة أخيرة، إن المسألة النووية، تشهد هذه الأيام اهتماماً دولياً كبيراً، وأصبح الأمن النووي يحظى بأولوية قصوى، وقد راجعت أمريكا مؤخراً موقفها النووي الاستراتيجي، وتضمنت هذه الاستراتيجية عدداً من الأهداف، وعلى رأسها منع انتشار الأسلحة النووية، وإقناع دول العالم بعدم جدوى السعي للحصول على الأسلحة النووية . كما أعلنت دول عديدة نيتها التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب مثل كندا والمكسيك وتشيلي وأوكرانيا . ومن المتوقع أن تثار كل هذه المسائل، حينما تجتمع (189) دولة في نيويورك في مايو/ أيار المقبل، لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومن بينها الدول العربية، ودول الجوار الجغرافي، ما عدا إسرائيل .

إن الاستمرار في رفع شعار إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، من دون رؤية وبرامج ومبادرات عملية، هو إفقار للمحتوى، وإسقاط للفاعلية، وخلخلة للمعايير، وخلط للأوراق، لصالح اللايقين والشقاء المستدام لشعوب هذه المنطقة .

لقد طورت الإنسانية عدداً من الوسائل من أجل الحد من أخطار انتشار أسلحة الدمار الشامل، من بينها: نظام المعاهدات الدولية لحظر هذه الأسلحة بأنواعها الثلاثة المعروفة، كما عملت قرارات مجلس الأمن الدولي على تقديم ضمانات دولية لحماية الدول التي لا تمتلك هذه الأسلحة، لكن أفضل الأنظمة والوسائل، وفقاً للتجرية، كانت ومازالت، هي نظم إنشاء المناطق الجغرافية الخالية من هذه الأسلحة، وهي الأكثر فعالية في منح الدول التي تقرر التخلي عن هذه الأسلحة، ضمانات أمنية ملزمة ومباشرة، وفي أطر تعاقدية . بل أكثر من ذلك، فإن نظام إنشاء المناطق الجغرافية الخالية من أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها النووي، يوفّر أمناً لم توفره المعاهدات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولية . ومن بين هذه الضمانات فرض الحظر على دول المنطقة الجغرافية المحددة، من تطوير أو امتلاك أو تخزين هذه الأسلحة على أراضيها أو مياهها الإقليمية، وتحريم خزنها على جميع الأطراف الخارجية . كما يحرم على الأطراف الخارجية استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أي دولة من دول هذه المنطقة الجغرافية .

إن قضية الأمن الإقليمي برمتها تحت المحك، في هذه المرحلة الحرجة، وتحتاج إلى مبادرات شجاعة وواعية للمخاطر المحدقة، وإلى خطوات عملية تحرز تقدماً باتجاه تأسيس منطقة جغرافية، تقع في صلبها مجموعة إقليم الخليج العربي الست، ودول المشرق العربي الخمس .

وقد أثبتت تجارب المناطق الجغرافية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ووسط آسيا وغيرها، أن التأسيس لا يشترط بالضرورة انضمام جميع الأطراف إليها، فجنوب إفريقيا انضمت في مطلع التسعينات، وكذلك فعلت كوبا . ومن المؤكد أن إسرائيل النووية لن تنضم إليها في البداية، لكنها سترغم على الانضمام فور انتهاء النظام العنصري الاستيطاني فيها، وزوال احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، ليصبح هذا الانضمام شرطاً أساسياً لإقامة سلام شامل وعادل معها في المنطقة . أما إيران وتركيا، فلا نعتقد أن هناك عوائق تحول دون انضمامهما إذا ما رفع الغطاء عن الألعاب السوريالية السياسية في البيئة الدولية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"