ظلال الطائفية وآمال اللبنانيين

02:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

قدر لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية عام ١٩٧٥، الخروج من أزمة للدخول في أخرى، وبدلاً من أن يأتي الفرج بعد الضيق، ويكون استفحال أي أزمة هو الطريق إلى حلها، يدخل هذا البلد الذي يعد أيقونة الجغرافيا العربية في أزمة جديدة. فبعد ٨٠ يوماً من اندلاع انتفاضة الغضب على الطائفية ورموزها، وعلى الأوضاع الاقتصادية التي نالت من حياة الناس، بعد فقدانهم سبل العيش الكريم، وعلى النظام القضائي التابع، وعلى نظم المحاصصة السياسية، واقتسام السلطة والمال والأرض بين عدد من العائلات ومن نصبوا أنفسهم ملوكاً للطوائف ومتحكمين في الناس بدعوى حمايتهم من أشقائهم وشركائهم في الوطن.. بعد كل ذلك جاء التكليف والتأليف ليثير جدلاً يؤدي إلى انقسام الشارع حول رئيس الحكومة المكلف وأصوله وانتمائه السياسي، ومدى تدخل الأطراف السياسية الحاكمة والمتحكمة في اختيار وزرائه، وما يتبع ذلك من انعدام، أو على أكثر تقدير، ضيق مساحة استقلال قراره عن إرادة المكونات التي استحوذت على السلطة بعد أن أبعدت أطراف نفسها، واستبعدت أخرى من المشاركة في حكومة مرفوضة قبل أن تولد من الشارع الغاضب.
الرئيس المكلف حسان دياب وضعه من اختاره لهذه المهمة في موقف صعب، فعليه أن يختار وزراء اختصاصيين، مستقلين سياسياً، في الوقت الذي لا يقبل فيه صناع القرار بأي حكومة عابرة للطائفية ومتجاوزة للمحاصصة، فلن يقبل البعض إلا بتوزير من يمثلهم، لذلك من الصعب أن تنال الحكومة ثقة الشارع الغاضب، وإن نالت ثقة البرلمان. وعلى الجانب الآخر، فإن النصف الثاني من الحكومة سيختاره بالتوافق، الثنائي الشيعي ودياب، بما فيهم الحصة السنية من الوزراء، بعد أن أبعدت الرموز السنية نفسها من دائرة القرار، وهو ما رفع الصوت السني ضد الوزارة قبل التأليف.
ولكي تكون حكومة حسان دياب المنتظرة حكومة إنقاذ على حد وصفه لها، عليها أن تبحث في قضية المال المنهوب، وتقدم الناهبين للمحاكمة، وهو ما يطرح تساؤلاً حول مدى قدرة الرئيس المكلف ووزرائه المنتظرين على التنكر لمن اختاروهم، وسوقهم إلى المحاكمة بتهمة سرقة المال العام وإفساد الحياة السياسية؟
المتظاهرون استبقوا تشكيل الحكومة بمظاهرات واعتصام أمام منزل دياب، مطالبين إياه بالتنحي، وقاطعين عليه محاولات التأليف، وقد يكون ذلك رفضاً لشخصه، وقد يكون رفضاً للأسماء التي يتم تداولها للتوزير، وقد يكون رفضاً للطبخة التي يتم إعدادها، وليت الأمر اقتصر على المتظاهرين فقط، بل امتد لشخصيات من المكون «المبعد» لم تقبل عروض التوزير، ولعل كل هذه التحفظات الغاضبة والرافضة تكون عائقاً لخروج الدخان الأبيض من القصر الرئاسي إعلاناً عن تشكيل الحكومة.
بعد التكليف زادت حدة التلاسن السياسي عبر تصريحات على الشاشات وتغريدات نواب ومسؤولين وناشطين على "تويتر"، وهو التلاسن الذي وصل إلى حد الاتهامات التي يمكن أن تؤدي إلى الانزلاق في أزمات جديدة بين أطراف اللعبة في لبنان، وليت هواة التغريد والتلاسن يؤجلون ممارسة هوايتهم حتى يخرج لبنان من أزمته الحالية، ويعبر بشعبه إلى بر الأمان.
تؤكد حقائق التاريخ إمكانية خداع شعب بعض الوقت، ولكن أبداً ليس كل الوقت، كما أن المسكنات والتصريحات المخدرة سرعان ما ينفذ تأثيرها ليفيق الناس أكثر غضباً وإصراراً على استرداد حقوقهم، ولعل هذا ما يمنح المتظاهرين أملاً في لبنان خالٍ من الطائفية ونموذج للعيش المشترك.
انطلقت المظاهرات في ال ١٧ أكتوبر / تشرين تحت شعار «كلن يعني كلن»، وبعد ٨٠ يوماً كانت الحصيلة استقالة الحريري وتكليف دياب، والمثيرون للغضب ما زالوا يتحكمون ويناورون ويعدون، لتثبت التجربة أنهم في وادٍ وأن المتظاهرين في وادٍ آخر، فهل ينجح الشعب اللبناني في زعزعة أركان الطائفية ونظام المحاصصة أم يعود ويسلم بواقع أن قدره العيش تحت ظلال الطائفية والقبلية والمناطقية السياسية التي أرادها له الخارج بالتوافق مع زعماء الداخل ؟ الإجابة نتمنى أن تحملها الأيام والأسابيع الأولى من ٢٠٢٠، وألا يظل اللبنانيون يبحثون عنها في كواليس السياسة والجغرافية والتاريخ لسنوات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"