عادي

طوق الياسمين

23:07 مساء
قراءة دقيقتين
ميسون أبو بكر

ميسون أبوبكر

«الأرض المزهرة» هي التسمية الآرامية القديمة لمدينة الياسمين، دمشق.. التي تعد من أقدم المدن في التاريخ، وأعرق العواصم التي مر بها أبطال من التاريخ، وتغنى بها الشعراء وهام فيها العشاق.

دمشق التي تقبل الشمس كل يوم باحة بيوتها ذات النمط المعماري العربي، والتي لا سقف لها، فيتدفق الماء من نافورة البيت كجدائل ذهبية، تجتمع صبايا الدار حولها فتمتطي ضحكاتهن الغيمات التي تطير بأسرارهم للبيوت المجاورة، وبزقزقات أصواتهن لنهر بردى العظيم.

كل حضارة تعاقبت على دمشق تركت آثارها فيها، وكل ركن له قصة ورواية يرويها الراوي في المقاهي التي تكثر في دمشق، ويعتبر من تراث المكان وذاكرته، فيجتمع حوله الرجال مساء يستمعون إلى قصص من نسج الخيال، وبطولات يغلب فيها لبشر تنين البحار، وحكايات سافرت عبر الزمن لتروى في ليالي دمشق وفي حاراتها.

دمشق.. ضحية الحروب والزلازل على مرّ الزمن، لكنها رغم ذلك تنهض كالفينيق، وتنفض الرماد عن أجنحتها وتعيد بناء ذاتها، ولعل عشاقها بعد سنوات من الحرب الأهلية وتشرد أهلها ثم زلزال سوريا مؤخراً، يتساءلون عن سوق الحميدية.. ذلك السوق الطويل الذي يكتظ به البشر، وتعلو فيه أصوات الباعة لجذب الزوار. وهناك حمام نور الدين؛ وفي سوريا تشتهر الحمامات، وهي تقليد عرفه أهل دمشق، وهناك أيضاً أبواب دمشق التاريخية التي دخل منها فاتحون وخرج مهزومون، وخلفها أسرار قرون من الزمان. دمشق عاصمة الأمويين وعاصمة الشعر وقلب من تركها مرغماً أو رغبة في الرزق.

يا طوق الياسمين يا دمشق، يا قلب غادة السمان، وبيت نزار، وبوصلة العشاق من كل صوب.

لم ينج الأدباء السوريون من الخروج من طوق مدينتهم، وإن ابتعدت بهم المسافات، فتكاد تستنشق الياسمين المعلق على سطورهم، وتكاد تراقص نهر بردى بين حرف وآخر ثم تغفو على سطح منزل دمشقي سقفه سماء حانية.

جسدت السمان دمشق في كتاباتها، وحين كانت تكتب عن المدينة كانت هي بطلة كتاباتها وإن لم تقل ذلك علانية، لكن كل الخيوط كانت تقود إليها، فهي تلك المرأة التي تمردت على الأسوار التي كانت تحيط بها هناك، لذلك عندما غادرت إلى قارة أخرى لم تستطع أن تنسى حنينها الأبدي لوطنها ولمدينة الياسمين.

استطاعت الكثير من الأعمال الفنية أن تنقل صورة مطابقة لتفاصيل البيئة هناك، واستطاع الفنان السوري المثقف أن يختار أعماله بعناية، وأن يكتب بثقافة عالية، وأن يستمر رغم القيود الكثيرة التي فرضت عليه.

دمشق التي لها ألف قصيدة وقصيدة، فإن غطاها غبار الحرب أنارت كجوهرة وصدحت لها حناجرنا بالشعر كتعويذة حب.

المدن الشامخة عصية على الموت، وتداوي جرحها بجوهرة، ودمشق مدينة لا تموت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5muzuk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"