من يمتلك القراءة؟

04:22 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

تفعل القراءة بعقل الإنسان وروحه وصحته وحياته الكثير، بشرط ألا يكتفي المرء بها فحسب، فكما يقول الفيلسوف جون لوك: «القراءة تزوّد الذهن بمواد المعرفة فقط، والتفكير هو الذي يجعل ما نقرؤه ملكاً خاصاً بنا»، وذلك من خلال الانتباه لعناصر المعرفة في عقل القارئ، مثل الإدراك والكلمات والأحاسيس، وإذا كانت الأفكار تبدأ أصلاً في الحواس باعتبارها المصدر الأول لتلقي الانطباعات التي تشكل معرفتنا، كما يقول الفيلسوف الإنجليزي، فكيف يتم ذلك من خلال القراءة، وأي الحواس تتفاعل مع الكتاب مقروءاً، أو صوتياً أو تفاعلياً؟
إن الكتب الثرية بتجربة لونية غنية، وأغلفة مثيرة للمخيلة، تؤلب الأفكار البسيطة القادمة من حاسة البصر، وأما الصوتية فتتفاعل مع حاسة السمع، والتفاعلية تختبر حاستي اللمس والشم، ولكن الأمر ليس بتلك البساطة أبداً، فهناك عملية معقدة تتضمن البناء على ما سبق من أفكار، والمقارنة والدمج والتسمية أثناء فعل القراءة، وأخيراً التجريد الذي يهتم بإدراك العام والمشترك من المعلومات، وذلك وفق نظرية جون لوك المعرفية، المبنية على أن إدراكنا لما حولنا يعتمد على إدراكاتنا الحسية بالدرجة الأولى.
وينصحنا لوك بدراسة وتمحيص كل ما نقرأ دون تحيزات كشرط أساسي لتحصيل الفائدة مما نقرأ، وبالحرص على أن ننتقي ما يتلاءم ومنهجنا المعرفي الصحيح، وأخيراً يؤكد أن القراءة بطريقة نقدية هي وحدها ما ينعكس على جوانبنا الشخصية، بحيث نقوم بدراسة ما نقرأ بحثاً عن الأسئلة المحيّرة قبل الإجابات الشافية، فالقراءة لا يمكن أن تكون حلاً قاطعاً ونهائياً؛ بل على العكس فهي مثار قلق على الدوام أو هكذا يجب أن تكون ويحيلنا ذلك إلى نوعية ما يكتب وينشر هذه الأيام، ومدى قدرته على منحنا تلك الميزة المعرفية الفذة، وإصابتنا بالدهشة. أما العبرة فتكمن في النوعية والكيفية التي نقرأ بها لا الكمية.
تقول سارة فيلدنج: «حين تكون لديك أعداد من الكتب بغية القول إنك قرأتها، تذكر هذا القول: إن الرأس مثل البيت، حين يزدحم دون نظام يصبح ركاماً»، وهي ملحوظة مناسبة لتذكير أنفسنا، خصوصاً ونحن نودع معرضاً بحجم وتنوع معرض الشارقة الدولي للكتاب ال38، ففي كل عام نضع القوائم ونتابع نشاط الدور الجميل ونقابل كتاباً أسهموا في صياغة أعمارنا من خلال أعمالهم الأدبية أو العلمية، إلا أن سؤالاً واحداً يبقى كشوكة في حلق رغبتنا العارمة في امتلاك ما لا يمكن أن يُمتلك، وهو المعرفة! السؤال هو متى سنجد الوقت الكافي لقراءة القوائم المتضخمة بالجديد والأكثر مبيعاً، وإهداءات الأصدقاء؟
وفي عصر الخيارات اللامتناهية لتناول المعرفة بصرياً وسمعياً وإلكترونياً، يقع علينا واجب تجاه أنفسنا، وهو واجب أن نجيد الانتقاء، وأن نختار لا لمجرد العد؛ بل لنتغير ونصبح أشخاصاً أفضل على صُعد شخصية ومهنية وأسرية واجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"