حكم منع الحمل (1-2)

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
سألتني إحدى النساء عن حكم منع الحمل بالأدوية الموجودة اليوم، وقالت إن زوجها لا يريد منها أن تحمل، وأجبرها على أن تأخذ الدواء، إلا أن الدواء سبب لها بعض المتاعب، وفي المرة الأخيرة ورغم أنها تأخذ الدواء، إلا أنها حملت وبسببه غضب منها زوجها .
- أقول: إن منع الحمل كان موجوداً في صدر الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يكن بالدواء، لأنهم لم يكونوا يعلمون شيئاً عن هذه الأدوية أو هذه اللباسات الواقيات شيئاً .
وكان "العزل" هو وسيلة الوقاية الوحيدة الموجودة في ذلك الوقت، والعزل هو أن يصب الرجل ماءه خارج مهبل الأنثى .
- لكن مشكلة هذا الإجراء أنه يحرم كلا من الزوج والزوجة من المتعة الكاملة، إلا أنه كان الحل الوحيد آنذاك، ولذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح للأصحاب أن يعزلوا .
- ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبايا العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا الغربة وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل فسألناه عن ذلك، فقال: وما عليكم ألا تفعلوا؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" (رواه البخاري ومسلم) .
وورد في حديث آخر عن جدامة بنت وهب الأسدية قالت: "حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس سألوه عن العزل، فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك الوأد الخفي، وقرأ "وإذا الموءودة سئلت" (رواه مسلم) .
- وربما فهم بعضهم من أحاديث الجواز كالحديث الأول أن العزل جائز، وفهم من حديث جدامة أن العزل ممنوع .
- لكن العلماء قالوا إن حديث جدامة ربما يعبر عما كان معمولاً به في أول الإسلام، ثم نسخ بالأحاديث الأخرى، بدليل أن جابر يقول في أحد أحاديث الجواز: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل" .
- وقالوا أيضاً إن حديث جدامة يمكن أن يحمل على كراهة التنزيه لا كراهة التحريم .
- وبناء على هذا الفهم للأحاديث الواردة، اختلف الفقهاء في العزل، فمنهم من قال بإباحته، ومنهم من قال بكراهته، ومنهم من قال بالجواز لكن برضا الزوجة .
- روي عن الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة المعتبرة جواز العزل، أي جواز عزل الرجل ماءه عن زوجته، مع كراهة التنزيه، والثلاثة قالوا للزوج أن يعزل لكن برضا الزوجة، ومن الشافعية من اشترط رضا الزوجة في ذلك، ومنهم من لم يشترط (انظر بدائع الصنائع ج 2 ص 334-،335 الشرح الصغير ج 2 ص ،420 حاشية الخطيب على الإقناع ج 4 ص ،40 المغني والشرح الكبير لابن قدامة ج 8 ص 132-133) .
- والظاهر أن الحق مع الجمع، وقد علل الكاساني من الحنفية تعليلاً جميلاً عندما قال: "ويكره للزوج أن يعزل عن امرأنه بغير رضاها، لأن الوطء عن انزال سبب لحصول الولد، وهي لها في الولد حق، وبالعزل يفوت الولد، فكان سبباً في فوات حقها، وإن كان العزل برضاها لا يكره، لأنها رضيت بفوات حقها" . (انظر بدائع الصنائع ج 2 ص 334-335) .
- ولعل الإمام الغزالي حسم الموقف عندما قال: "الصحيح أنه مباح، وأما الكراهة فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة، فهو مكروه لأن فيه ترك فضيلة، وإنما قلنا لا كراهة بمعنى التحريم، لأن إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص، ولا نص ولا أصل يقاس عليه .
بل ها هنا أصل يقاس عليه هو ترك النكاح أصلاً، أو ترك الجماع بعد النكاح، أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، وكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي" (انظر إحياء علوم الدين للغزالي ج 4 ص 149-153) .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"