أحمد محمد عبيد: كتابات الشباب واعدة

مبادرته لدعم الأجيال الجديدة تكمل عمل المؤسسات الثقافية
23:54 مساء
قراءة 6 دقائق

يوزع الباحث الشاعر الإماراتي أحمد محمد عبيد المولود في دبا في عام 1967 نشاطه الثقافي في اتجاهات عدة، فهو يؤلف في التاريخ وفي التراث الشعبي، ويتابع ويقرأ الظواهر الجديدة في الأدب الإماراتي، ولا يمنعه ذلك من أن يكتب الشعر باستمرار وبشكل شبه يومي، حتى كانت حصيلته منه سبعة دواوين شعرية تتسم بالأصالة والوجدانية اللصيقة بالنفس وأحاسيسها والمشغولة بالتقاطات تصويرية تدل على حذق بالصنعة الشعرية، وامتلاك لناصية الشعر، ولاشك أن للتخصص دوراً كبيراً في ذلك فهو حاصل على البكالوريوس في الآداب في جامعة الإمارات ،1980 ثم الماجستير في الأدب العربي في جامعة عين شمس في عام 1996 .

لا يتوقف نشاط أحمد محمد عبيد عند مجرد البحث وكتابة الشعر، بل يتعداها إلى إطلاق مبادرات من أجل الارتقاء بالساحة الأدبية، وتنمية الإبداع، ومنها تلك المبادرات ما يطلق عليه مبادرة أحمد محمد عبيد لدعم الثقافة في دولة الإمارات، وتعنى بنشر إبداعات أدبية لكتّاب ناشئين تشجيعاً لهم على مواصلة الطريق، الخليج حاورته حول تلك المبادرة وحول أهم الظواهر الأدبية في الأدب الإماراتي الحديث:

ما الأهداف التي تسعى إليها من وراء هذه المبادرة؟

المبادرة نوع من رد الجميل إلى هذا الأرض التي أعطتنا كثيراً، وقد بدأت التخطيط لها منذ عام ،2008 وهي تختص بدعم الأدباء الشباب الذين يخطون خطاهم الأولى على طريق الكتابة الأدبية، وقد ألفوا كتباً، لكنهم لا يجدون طريقاً إلى نشرها، فمهمة المبادرة تتمثل في تسهيل وصول صوت هؤلاء إلى القارئ، وتشجيعهم على مواصلة العطاء، ففرحة الكاتب بكتابه الأول لا يمكن تصورها، وكثيراً ما يكون نشر الكتاب الأول حافزاً للكاتب الموهوب على مواصلة الطريق، لذلك فأنا أركز في مبادرتي على الكتاب الذين أتوسم فيهم الموهبة، وأجد في كتاباتهم ما يستحق النشر، خصوصاً من ناحية توفر أساسيات الكتابة مثل سلامة اللغة والحد الأدنى من فنيات الجنس الأدبي، وجدة الموضوع المعالج أو وجهة النظر المطروحة، هذا مع الأخذ في الاعتبار كون الكاتب مبتدئاً ولن تخلو كتابته من النواقص، لكن توفر الموهبة هو الشرط الأساسي في الاختيار، فلو نظرنا إلى كتاب صمت وبرق الذي طبع في إطار المبادرة سنجد أن الفكرة قوية، ولها حضور يستلزم طرحها .

لقد نشرت في إطار هذه المبادرة حتى الآن أربعة كتب هي: عزلة للكاتبة نجاة الظاهري في عام ،2009 وهي شاعرة واعدة تمتلك أصالة شعرية تؤهلها للوصول إلى درجات عالية من الإبداع، ورواية صمت وبرق لعائشة العبدالله، ومجموعة قصصية بعنوان حقائب السفر الفارغة لمنى خليف الحمودي، ورواية جثمان حب لآمنة أحمد، وكلهن مشاريع كاتبات جيدات، كما أن هناك كتباً أخرى مرشحة للنشر في المستقبل القريب بإذن الله .

مثل هذه المبادرة تقوم بها مؤسسة وليس فرداً، فلماذا تجشمت هذا العناء؟

- هذا صحيح وهناك مؤسسات وطنية تعمل على مبادرات من هذا النوع مثل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث ودائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ورابطة أديبات الإمارات، حيث تنشر هذه المؤسسات لكتّاب مبتدئين، وتفتح لهم الباب للوصول إلى القارئ، وما أقوم به هو مكمل لدور هذه المؤسسات، حيث أسعى إلى أولئك الذين لم يعرفوا كيف يصلون إلى تلك المؤسسات أو لم يحظوا بالنشر بسبب الشروط المطروحة أو لأسباب أخرى أياً كانت، وأشعر أن من واجبي أن أساعدهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .

ما مصادر تمويل هذه المبادرة؟

قد يظن البعض أن المبادرة تحظى بتمويل من نوع ما، أو أن صاحبها له أموال طائلة، والواقع أنني مجرد موظف كالآخرين، لكنني اتخذت قراراً بأن أقتطع من دخلي جزءاً لخدمة أبناء وطني، لكي يحظوا بفرصة الوصول إلى القارئ، ومن بعد ذلك يتدبرون طريقهم بأنفسهم لأنني أعرف أن أهم ما يحتاجه الأديب في بداية حياته هو من يشجعه ويمهد له الطريق، وأنا وبقية جيلي والأجيال التي سبقتنا لم نحظ بمثل هذه الفرصة، فأنا مثلاً طبعت ونشرت أغلب دواويني الشعرية على حسابي كديوان (شموع وقناديل) ،1991 و(مع الليل ) ،1993 و(عاشق في زمن الغربة) ،1995 و(بقايا كلمات) ،2002 و(آخر القوافل) ،2004 و(رؤى نابضة ) ،2005 و(همسات على أعتاب الروح) ،2006 فكلها كانت بمجهوداتي باستثناء ديوان (من أغاني العاشق القديم) الصادر 1998 عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وديوان (نوار) الصادر 2009 عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، لقد كانت البدايات صعبة بالنسبة لتلك الأجيال، وعلينا اليوم وقد نضجنا وتعرفنا إلى صعوبة الطريق أن نبذل في ما وسعنا لنجنب الشباب تلك الصعوبات .

كيف ترى صدى المبادرة في الساحة الأدبية؟

هناك تجاوب جيد مع المبادرة، والساحة الثقافية تمتلئ بالكتّاب الناشئين، والمستقبل مبشر، وحسب ما اطلعت عليه من التجارب الجديدة، سواء تلك التي قدم لي أصحابها كتبهم لنشرها، أو التي قرأت لأصحابها، فهناك كم لا بأس به من الكتابات الواعدة، وأنا على عكس الكثيرين ممن ينظرون إلى الواقع بقتامة ويرون أن الأجيال الجديدة لا تقرأ ولا تكتب، أن الأجيال الجديدة أتيحت لها فرص هائلة في وسائل القراءة والكتابة، وتوفر لها الكتاب الورقي والألكتروني، مما أتاح لمواهبها أن تنمو، وفي معجم الأدباء في دولة الإمارات الذي نشرته بداية هذا العام استقصيت عدداً كبيراً من الكتاب الجدد الذين نشروا إنتاجهم خلال سنة 2011 وحدها، مما يعني أن الحركة الأدبية عندنا تتشعب وتتكثف باطّراد .

على ذكر المعجم، ما هذا المعجم وما الهدف منه؟

كانت لي عناية سابقة بتوثيق الأدب الإماراتي من خلال كتاب استقصائي سميته كشاف الأدب الإماراتي المعاصر تتبعت فيه الإصدارات القصصية والروائية والشعرية وتوثيقها بتواريخ صدورها، وقد رأيت أن الساحة ما زالت تحتاج إلى معجم شامل لكل أدباء الإمارات يدون أسماءهم وتواريخهم وإنتاجهم، فكان هذا الكتاب الذي يضم ترجمة موجزة لكل أديب وعناوين كتبه وما كتب عنه، وقد حاولت أن يغطي ثلاثة قرون من تاريخ الأدب الإماراتي، وسيجد القارئ أن البعض من الأدباء المذكورين ليست لهم كتب، بل هي مجرد قصائد قليلة، خاصة الشعراء القدماء، ولمعرفتي بظروف حياة الأوائل وعدم توفر وسائل حفظ الكتابة، واعتماد الشفاه في أكثر الأحوال فقد رأيت ألا أظلم بعض الشعراء الذين وصلت إلينا مقتطفات قليلة من أشعارهم، فقد يكون ما ضاع من شعرهم أكثر مما وصل إلينا، فمن حقهم أن يخلد ذكرهم، لذلك رأيت أن توفر الشاعر على ثلاث قصائد معيار لترجمته في المعجم، وأعترف أنني لم أُحط بكل شيء يتعلق بالأدباء الإماراتيين، فهذا جهد يحتاج إلى فريق وسنوات من الجهد وفراغ تام له، ولكن حسبي أنني بذلت ما في وسعي وسأواصله في المستقبل لتلافي ما يمكن من النواقص في الطبعات اللاحقة من الكتاب .

ما أهم الظواهر الأدبية التي استوقفتك وأنت تعد هذا المعجم؟

هناك ظواهر عدة منها أن النصف الأول من القرن العشرين شهد حركة شعرية كثيفة عمادها شعراء من أبناء الأمراء والتجار ورجال الدين، ممن حظوا بتعليم في الكتاتيب وفي المدارس النظامية الأولى التي أنشئت في الشارقة ودبي، واستفادوا من ما كان يصل إليهم من كتب ومجلات وصحف على ندرتها، كما كان للراديو أيضاً دور في تعزيز ثقافة ذلك الجيل .

من تلك الظواهر أيضاً أن حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي شكلتا نهضة أدبية ملحوظة غلب عليها الشعر، وكان لشعراء مثل أحمد أمين المدني وحمد بوشهاب وسلطان بن علي العويس أثر كبير فيها، وفي الثمانينات والتسعينات تصدرت القصة القصيرة المشهد مع وجود كتّاب مجيدين مثل محمد المر وإبراهيم مبارك وشيخة الناخي وعبد الرضى السجواني .

ويبدو التراجع الذي حدث للشعر في العقدين الأخيرين مبرراً إلى حد ما، فالشعر يحتاج إلى موهبة من نوع خاص ولا بد له من وقت طويل من الدربة حتى ينمي صاحبه ملكة الوزن، وهذا جهد مضاعف لا يجد الكثير من شباب اليوم الوقت الكافي له، أو لا يصبرون عليه، لذلك يستسهلون النثر رغم أن الحال في الأجناس الأدبية متقارب، لكن الصعوبة في الشعر أكثر وضوحاً، ومع ذلك فهناك شعراء شباب جيدون مثل طلال سالم وعبد الحكيم الزبيدي وعلي الشعالي وغيرهم .

هناك ظاهرة أخرى وهي متعلقة بالظاهرة السابقة، وهي أن أغلب كتّاب الرواية والقصة اليوم هن نساء، والمرأة أميل إلى الحكي من الرجل، وإلى كتابة الخواطر السردية، وقد أتيح لها أن تطرح تلك الأفكار وتبث تلك النصوص على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم طورتها إلى كتابة سردية، وهذا ما جعل اتجاههن إلى هذه الأجناس أكثر من الرجال، وهناك اليوم كاتبات شابات لهن عطاء مميز مثل عائشة الزعابي ومريم الساعدي وسارة الجروان وروضة البلوشي، وهدى الساعدي ونادية المرزوقي وغيرهن .

قد يرى البعض في انفتاح الفضاء الإلكتروني وسهولة النشر فيه جانباً سلبياً، حيث يتيح لغير الموهوبين أن يكتبوا ويدعوا الموهبة ويختلط الأمر على القارئ، لكنني أظن أن كثرة الكتابات الأدبية وانتشارها في مختلف الأجناس هي ظاهرة صحية، والأدب يحتاج إلى زخم كتابي وحركة دائبة، وفي النهاية فإن الصالح هو الذي سيبقى والمبدع هو الذي سيتميز، طال الزمن أو قصر، وبحكم أن التجارب القصصية والروائية عندنا ما زالت حديثة عهد، وتعتبر في بداياتها بالنظر إلى بلدان عربية أخرى، فإننا نحتاج إلى هذا الزخم وإلى مناخ أدبي نشط، ومنافسة متواصلة تجعل الموهوبين يخرجون أجود ما عندهم، ويصقلون تجربتهم بالكتابة المتواصلة حتى نصل إلى مرحلة النضج والإبداع المطلوبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"