الإرهاب الدولي ليس إسلامياً فحسب

04:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
د .غسان العزي
لقد التصقت سمة الإرهاب بالإسلام في الإعلام الغربي والعالمي، فما إن ينتشر خبر عن تفجير إرهابي في مكان ما من العالم حتى تتجه الشكوك صوب الإسلاميين . ومن دون الانكار بأن هؤلاء يمارسون إرهاباً مقيتاً على مساحة العالم الواسع، ولاسيما في العالمين العربي والإسلامي، فإن الأرقام تؤكد حقيقة أن الحركات الإسلامية لا تستأثر البتة بالإرهاب العالمي .
فقد نشرت وكالة "أوروبول" الأوروبية التابعة لمكتب الشرطة الجنائية الحكومية الأوروبية تقريراً في ربيع عام 2010 يتضمن بانوراما للعمليات الإرهابية في أوروبا . تقول هذه الوثيقة الرسمية إن التهديد الارهابي الاسلامي في الاتحاد الأوروبي يبقى مرتفعاً ومتنوعاً، فقد تم ارتكاب ثلاث هجمات إرهابية من قبل اسلاميين في أوروبا في عام 2010 . لكن بالمقارنة خططت جماعات انفصالية أوروبية (لاسيما في فرنسا وإسبانيا) من اليسار واليمين المتطرفين والفوضويين (الأناركيين) لمئة وستين هجوماً إرهابياً تم تنفيذ خمس وأربعين منها بالفعل، أوقعت الكثير من الضحايا المدنيين ورجال الأمن والشرطة . لكن رغم ذلك تتهم الأوروبول الاضطرابات في العالم العربي بأنها تؤدي إلى تدفق المهاجرين الإسلاميين إلى أوروبا، ما يدفع اليمين المتطرف فيها والرأي العام إلى المزيد من مشاعر الحذر والعداء للمهاجرين، وهذا ما يوفر بيئة ملائمة للإرهاب . وبحسب إحصاءات رسمية أخرى في السنوات الخمس المنصرمة، اثنان في المئة فقط من العمليات الارهابية في أوروبا ارتكبت لأسباب دينية، ومعظمها كان من فعل جماعات انفصالية . لكن ينبغي ملاحظة الفرق الشاسع بين عدد الهجمات الإرهابية من جهة وعدد ضحاياها من الجهة المقابلة . ففي عام 2013 سقط سبع ضحايا ل 251 عملاً إرهابياً، تم توقيف 535 شخصاً على أثرها،بحسب تقرير الأوروبول الذي صدر في الشهر المنصرم .
"أوروبول" هذه تهتم فقط بالاتحاد الاوروبي .ولكن يمكن ملاحظة نزعات شبيهة في الولايات المتحدة على سبيل المثال حيث تحدث عمليات ارهابية من قبل جماعات جريمة منظمة ومتعصبين وعددها يفوق العشرات سنوياً،لكن تبقى تفجيرات بوسطن التي ارتكبها أخوان ينتميان الى الاسلام السياسي هي الأكثر شهرة . في المقابل في أواخر العام الماضي قُتل ثلاثة طلاب مسلمين مسالمين في إحدى الجامعات الأمريكية على يد متعصب أمريكي قال إنه يكره المسلمين، من دون أن يحظى هذا الحدث الإرهابي المخيف بتغطية إعلامية ملائمة أو بنقاش سياسي أو إعلامي كما هي الحال عندما يرتكب إسلاميون عملاً موسوماً بالإرهاب . وفي النرويج منذ سنتين قتل "مختل عقلياً" تسعين شخصاً كانوا يستجمون على الشاطىء، ومن منا لا يذكر تاريخ هذا الحدث وردود الفعل عليه؟
في العام الماضي تعرضت أستراليا وكندا لهجمات إرهابية ذات طابع ديني، الأمر الذي أعاد احياء الجدل حول الإرهاب الاسلامي ولفترة ممتدة . وهذا الجدل هو في الحقيقة امتداد وصدى لما يحدث في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي من إرهاب وإرهاب مضاد . فمن شيشينيا والأويغور إلى نيجيريا ومالي والساحل حيث تنشط فروع القاعدة إلى شبه الجزيرة العربية مروراً بليبيا والعراق وسوريا واليمن أو باكستان وأفغانستان تبقى ملاحظة أن ضحايا الإرهاب هم في جلهم أو كلهم من المسلمين أنفسهم .
للإرهاب خاصية سيكولوجية - انفعالية، وإدراك الأفعال الارهابية وأثرها النفسي الشعبي أهم بكثير من المعطيات الرقمية المجردة . وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى للأعمال الإرهابية في أوروبا مدفوعة بنزعات انفصالية، ورغم أن مرتكبيها ليسوا من الجماعات الإسلامية، فهذا لا يغيّر شيئاً في المعطى الأساسي النابع من الأثر التراكمي المضاف إلى تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة ثم بعدها في مدريد ولندن وباريس .
إن قنبلة صغيرة تنفجر في منتجع سياحي في كورسيكا الفرنسية لن تتسبب في الشحنة الانفعالية النفسية نفسها التي تسببت بها عملية "شارلي ايبدو" في باريس، مطلع العام الجاري، التي كانت تداعياتها على مستوى العالم أجمع . ففي الفضاء الإرهابي تقبع الأمور في طبيعة وخاصية الفعل الإرهابي نفسه . فالانفصاليون الكورسيكيون، على سبيل المثال، واعون تماماً بأن التفجيرات الإرهابية الكبري تؤذي قضيتهم ولا تفيدها البتة . لكن على العكس يبحث الإسلاميون عن أوسع الأصداء العالمية الممكنة (فيديوهات "داعش" المقززة المنتشرة على صفحات التواصل ويوتيوب وغيرها) لأنهم يتوجهون إلى مجتمعات بعيدة ودول كبرى، لذلك فإن لأفعالهم تداعيات واسعة ولن يبحث أحد عن حقيقة انتماء ضحاياهم وجلهم من المسلمين . لا يبحث الإرهابيون بالضرورة عن ارتكاب الأفعال الأكثر وحشية وهولاً إلا إذا كانوا بحثوا عن ردود فعل تتناسب وأهدافهم السياسية . هذا ما يفعله "داعش" بالتحديد وما تتفادى فعله الجماعات الانفصالية الأوروبية على سبيل المثال لا الحصر .
في أوروبا نجحت الحركات الإرهابية في تحقيق بعض مطالبها على الأقل . حصل استفتاء شعبي في اسكتلندا وفي كاتالونيا جاءت نتيجته لمصلحة عدم الانفصال عن الدولة . وفي بريطانيا وكورسيكا الفرنسيتين حصلوا على تشريعات تحترم خصوصيتهم الثقافية واللغوية، وفي ايرلندا توصلوا إلى حل سياسي ما بين البروتستانت والكاثوليك . ويبدو أن في منطقتنا نجح "داعش" في تحقيق أهدافه وهي على الأرجح تشويه صورة الإسلام والمسلمين والعرب وفتح السبل الواسعة أمام كل أنواع التدخل الخارجي في منطقتنا وصولاً ربما إلى إعادة النظر في خرائطها القائمة، تحقيقاً لهدف "إسرائيلي" لم يكن سراً في يوم من الأيام .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"