أرضية مشتركة ومنهج تفكير مختلف

05:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعد أن هدأت نسبياً الأحداث الساخنة التي صاحبت زلزال 25 يناير ،2011 بدأ المصريون في تأمل المشهد السياسي وتفاصيله المختلفة، ووقف الجميع أمام قوة سياسية جديدة تحت اسم السلفيين، وتساءل الناس: من هم؟ وأين كانوا؟ ولماذا لم يكن لهم دور في الماضي؟ وواقع الأمر أن السلفيين موجودون منذ عهد بعيد، ولقد كنا نسمع عن جمعية أنصار السنة المحمدية أوالجمعية الشرعية وغيرهما من الجمعيات التي تضم أولئك الذين يأخذون بطريق السلف الصالح، وينقلون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتدخل أفكارهم في المعاملات اليومية والعلاقات الإنسانية، ويتخذ معظمهم من اللحية شعاراً وينظرون نظرة نقدية حادة إلى الانحرافات والخطايا والبذاءات، ويؤمنون أن من حقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس لهم باع طويل في الحياة السياسية، كما لم يكن لهم اهتمام بالحكم فهم يؤمنون بقوله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وتردد بعض دوائر الأمن المصرية السابقة صدقاً أو افتراءً أنهم كانوا يوظفون مجموعات من العناصر السلفية لتعقب نشاط جماعة الإخوان المسلمين وإحداث توازن بين قوى التيار الإسلامي المختلف . أما الصوفية فهي نوع من الطرح الروحي في عشق الله وذكر اسمه والتسبيح له، والمتصوفة جماعات قديمة يرجع تاريخها إلى مئات السنين بل ظهر بعضها مع العصر الأموي وفي صدر الدولة العباسية، ونشطت حركتهم الروحية في ظل حكم المماليك والدولة العثمانية، وظل اسم جلال الدين الرومي علامة فارقة في فلسفة التصوف ودراساته العميقة . وانتشرت الطرق الصوفية من غربي إفريقيا في السنغال إلى حوض النيل في السودان وتأصلت جذورها في شمال الوادي مصر، ولعلنا نتذكر الآن أن عالمين فاضلين من شيوخ الأزهر الشريف في العقود الأخيرة ينتميان إلى المدرسة الصوفية رغم أنهما درسا في فرنسا، وأعني بهما الإمام الراحل د . عبدالحليم محمود، وشيخ الأزهر الحالي الواسع الأفق المستنير الرؤية د . أحمد الطيب، وهنا نسوق بعض الملاحظات:

أولاً: إن الصوفية منهج روحي ذاتي لا يتجاوز صاحبه في الأغلب، لذلك فإن مواقفه من قضايا الإيمان والدعوة والاشتباك مع المجتمع حوله هي سلبية الطابع، لأن صاحبها مستغرقٌ في حب ذات الله وهو في حالة وجد صوفي أقرب إلى العشق الإلهي، كما أنه يعبر عن ذلك بالأذكار الجماعية والابتهالات الخالصة لوجه الله تعالى . وبخلاف الصوفي يكون السلفي مشتبكاً مع مجتمعه مقتحماً لحياة غيره مؤمناً بأن تطبيق الشريعة الإسلامية هي رسالته وغايته في آنٍ معاً، إنه يرى لدوره الإسلامي ما يمكن أن يتجاوز أحياناً الدعوة في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فهو لا يتقوقع في حالة عشق إلهي أو وجد صوفي، ولكنه يخرج على الناس مطالباً باتباع نهج السلف الصالح والسعي الحثيث إلى تطبيق الشريعة الإسلامية منهجاً فكرياً وأسلوب حياة، متبعاً في ذلك طرقاً عديدة ليس أقلها التظاهر والاعتصام والاحتجاج أحياناً على تصرفات شرائح اجتماعية قد لا يكون له فيها رصيد كبير، خصوصاً في مسائل الأحوال الشخصية والحريات الخاصة .

ثانياً: هناك خلط شديد لدى العامة بين الإخوان والسلفيين على نحوٍ يضع جماعة الإخوان المسلمين أحياناً في موضع انتقاد لا يجب أن يوجه إليهم، فالدعوة السلفية هي دينية بنسبة ثمانين في المئة وسياسية بعشرين في المئة، بينما فكر الإخوان المسلمين سياسي بنسبة ثمانين في المئة وديني في الباقي، كما أن خبرات الجماعة ذات الرصيد الطويل تتجاوز الحركة السلفية بكثير وتشتبك مع العالم الخارجي، وتبدو طرفًا فاعلاً في العلاقات الإقليمية المعاصرة، بل تفرض نفسها على سياسات القوى الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن انتشار الدعوة السلفية لا يحظى بذلك الطابع العالمي الذي حظي به فكر الجماعة تاريخياً وليس لها تنظيم دولي، وإذا كان وجودها يتركز في مصر ومنطقة الخليج وبعض أجزاء لبنان والأردن، فإنها لا تنتشر بالدرجة ذاتها في الشمال الإفريقي المسلم، إذ لم تواجه الثورة التونسية على حد تعبير الرئيس منصف المرزوقي في حديث تلفزيوني بالقاهرة مشكلة مع قوى سلفية تذكر، بينما الأمر يختلف بالنسبة إلى الثورة المصرية، ونحن لا ننسى التظاهرة الضخمة من حي الدقي في الجيزة إلى حي مصر الجديدة في القاهرة خلال موكب سلفي طويل يوم تقديم أوراق ترشيح حازم صلاح أبو إسماعيل إلى منصب رئيس الجمهورية .

ثالثاً: إن هناك من يرى أن السلفية والصوفية تقفان على طرفي نقيض، والأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأرضية الإسلامية مشتركة ولكن منهج التفكير مختلف، وأسلوب الحياة أيضاً على نحو يدعو إلى التأمل، فالرايات الصوفية التي تخرج في المناسبات الدينية هي فولكلورية الطابع، بينما التجمعات السلفية في المناسبات السياسية هي دعوية الاتجاه، فالفارق بينهما واضح بجلاء ولكننا لا نتصور أن أحدهما يناصب الآخر العداء، والعقل المصري بالمناسبة يخلط بين الإخواني والسلفي والصوفي ويرى في مجموعهم توجهاً إسلامياً يختلط فيه الأمر على كثير من الناس، فنحن نرى يومياً صوراً من التداخل بين الاتجاهات المختلفة داخل التيار الديني، لذلك نعاني حالياً حالة عامة تجاه التساؤل القلق عن موقف التيار الإسلامي في الحكم، ومستقبل دوره في هذا الشأن بعد وصول أول رئيس مدني للبلاد من ذلك التيار بعد انتخابات رئاسية حرة ونزيهة إلى حد كبير . . . هذه قراءة عادلة في ملف شديد الأهمية لا يقف عند حدود المقارنة بين الصوفية والسلفية، ولكنه يمضي أكثر من ذلك نحو استشراف مستقبل الأمة المصرية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"