السقيفة الإلكترونية

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
على الرغم من سلبياتها الكثيرة، إلا أن بعض الأماكن التي تسهم في الالتقاء الاجتماعي بطريقة عصرية تختلف عن السقيفة أو السبلة أو المجالس أفادت بالوصول إلى بعض الحقائق، والكشف عن بعض الزيف، واستطاع المتتبع لها أن يسقط الكثير من الأقنعة الزائفة التي انخدع بها كثير من البشر نتيجة الهالة التي تسبق اسم الشخص وتمنحه وجاهة وصفة مختلفة عن أشخاص لا يحملون أي صفة قبل الاسم، فهذه الوسائل أصبحت مثل المحك الذي يظهر البعض بلا رتوش أو مكياج، ويستطيع الشخص الواعي والمتتبع للمجال الذي يمارسونه أن يكتشف إن كانوا على المستوى الذي يظهرون به ويدعونه، أم أن هناك من يقف خلفهم ويصنعهم .
حين تجلس مع بعضهم في مجلس ما، أو تراهم في وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، تجدهم يبرزون أنفسهم وكأنهم عرافو المجالس، أو كأن بعضهم أحد أمراء الدول الفاتحة، فهم من ينظرون ويفتون ويعرضون قضايا كثيرة، ويغرفون من كل إناء دون النظر إلى ما فيه، وينطبق عليهم القول: "يغرف بما لا يعرف" .
ماذا يدور في تلك الأماكن المغلقة على عدد محدد لا يسمح بتجاوزه نظام السقيفة، وما هو مستوى الحوار والمادة التي تطرح للنقاش بينهم؟ .
أسئلة قد تكون صادمة للبعض حين يدخل إلى سقيفة إلكترونية محددة الاسم والتوجه، ويمني نفسه بأن يشارك بفاعلية ويخرج مع أولئك الأشخاص بوعي يسهم في البناء المعرفي والمجتمعي والإنساني، لكن الواقع يقول عكس ذلك، فبعضهم تتمنى لو أن الصورة التي تحملها عنه بقيت على حالها قبل أن تراه، فكما يقال: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، فالصفة التي يحملونها قبل أسمائهم ما هي إلا صورة خادعة لما يمتلكون، وإذا أخذنا الثقافة مثالاً فإن بعض الذين يحملون شهادة الدكتوراه ربما لا يستحقون أكثر من المرحلة التي تسبق الجامعة، فالشهادة عند البعض لا ترتبط بالأخلاق الثقافية ولا المهنية ولا المجتمعية، وكما يقول الشاعر:
وإذا أصيبَ القومُ في أخلاقهم
               فانصب عليهم مأتماً وعويلا
أي مأتم سننصبه على الكثير ممن يجتمعون عبر وسائل التواصل الاجتماعي في محيط ضيق لا يتسع لعدد أكبر من المسموح حتى ولو قلت لهم "تفسحوا في المجالس" وتحت هذا السقف تدار الثقافة بأياد تفاخر بالصفة التي تسبق اسمهم، ويحاولون من خلال هذه الصفة أن يكونوا قادة الفصيل، فهم من يتحدث كثيراً، ويتدخل كثيراً، ويخوض كثيراً في قضايا بعضها لا علاقة له بالثقافة، وهم كذلك يدعون باسم الصفة العلمية أنهم يحملون الثقافة على عاتقهم، وليتهم ينطبق عليهم ما يقوله القائل:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
                 والماء فوق ظهورها محمولُ
أي عويل سننصبه على من يدخل بعض هذه الملتقيات بهذه الصفة العلمية ويستغفل من معه، ويسطو على جهود الغير من حكم وأقوال ومعارف وأشعار، ويوهم الغير على أنها له دون الإشارة إلى من تعب وعانى من أجل أن يخرج بنص أو بيت شعري أو حكمة، وماذا سيكون حال البقية إذا أحسوا بأن السطو مسموح به، فهم سيرقصون على سلالم قائد الفصيل، وسيفرز هذا المكان كثيراً من العرافين والعلماء والمنظرين بجهود غيرهم مقتدين بقائدهم "رب البيت" الإلكتروني الذي لا يستنكر أو يوقف تجاوزات من معه، وكما يقال:
إذا كان رب البيت للدف ضارباً
               فشيمةُ أهل البيت كلهمُ الرقصُ
أصبحت الشهادات العليا بسبب ممارسات البعض وضحالة منتجهم ومعارفهم رمزية، وليس بالضرورة أن يكون من لا يحمل الدكتوراه أقل فهماً ووعياً ومعرفة ممن يحملونها، فالبعض يستحق أن تسحب منه هذه الصفة لأنه لا يستحقها .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"