فوسفور أردوغان الأبيض

04:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

فيما يستمر العدوان التركي على الأراضي السورية، يتكشف يوماً بعد يوم حجم الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها القوات التركية الغازية، في مناطق شمال شرق سوريا، بحجة إقامة منطقة آمنة أو محاربة ما تسميه بالمنظمات الإرهابية في هذه المنطقة، وهي ذريعة دأبت تركيا على استخدامها للتدخل في كل من سوريا والعراق على السواء.
وفي خضم الغزو التركي لشمال شرق سوريا، أجبر عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من المواطنين السوريين، على الهجرة من بيوتهم هرباً من المعارك، إلا أن الجرائم التركية لم تقتصر على تهجير الكثير من أهل المنطقة، وإنما أوقعت الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين السوريين، الذين وعدتهم أنقرة بمناطق آمنة لتبرير عدوانها على سوريا.
وتبدو الجرائم التركية أكثر وضوحاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، ما تردد عن استخدام الجيش التركي لأسلحة محرمة دولية، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع القوانين والأعراف الدولية.
فقد أشارت تقارير وسائل إعلام بريطانية وأمريكية إلى استخدام القوات التركية أسلحة محرمة دولياً، من بينها الفوسفور الأبيض، واستهداف المستشفيات والمراكز الطبية.
وأوضحت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن تغيير الجبهات والتحالفات في سوريا يصعّب الاستجابة للأزمة الإنسانية المتزايدة التي سببتها العملية التركية في الشمال السوري، حيث أدى الهجوم التركي إلى تشريد أكثر من ثلاثمئة ألف مواطن سوري، ومقتل المئات، وذلك طبقاً لمصادر في الأمم المتحدة، فضلاً عن استهداف القوات التركية الغازية للمستشفيات وسيارات الإسعاف في المنطقة، ولا سيما في مدينة رأس العين، حيث سجل استقبال حالات حروق شديدة، ربما تكون ناجمة عن استخدام أسلحة كيمياوية.
ونقل عن عدد من الناشطين الحقوقيين أن أحد المستشفيات في رأس العين استقبل العشرات من المدنيين الذين يعانون جروحاً تبين استخدام القوات التركية للأسلحة المحظورة، ولا سيما الفوسفور الأبيض، والقنابل الحارقة الأخرى. كما أشارت شهادات لشهود عيان إلى عمليات تعذيب وحشي، تنفذها القوات التركية والفصائل الموالية لها بحق المدنيين.
حماية المدنيين أكذوبة تركية لتغليف الأطماع التركية القديمة في الأراضي السورية، من خلال ما تسميه عملية «نبع السلام»، والتي لا تعدو عن كونها خطوة جديدة لتنفيذ الأجندات التركية التوسعية.
فعلى الرغم من مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العمليات العسكرية تستهدف حماية بلاده مما أسماه «الخطر» على أمنها القومي، إلا أن أي متتبع للسياسة التركية لا يحتاج إلى جهد كبير ليعرف الدور الحقيقي الذي مارسته أنقرة، في دعم المنظمات الإرهابية، أو تغاضيها عنها، وهي تعبر الحدود التركية السورية بعشرات الآلاف من الإرهابيين، ولا سيما عناصر تنظيم داعش الذين وفر لهم النظام التركي ملاذاً آمناً في الشمال السوري لسنوات، على الرغم من «البروباغندة» الإعلامية التي حاولت من خلالها أنقرة، إيهام العالم بأنها طرف فاعل في محاربة الإرهاب.
والحقيقة التي باتت ظاهرة للعيان هي أن أردوغان الذي تربطه علاقات أيديولوجية بالتنظيمات المتطرفة، يهدف من وراء تحركاته السياسية والعسكرية إلى التوغل والتوسع في العمق السوري، وإنشاء دولة جديدة لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في منطقة إدلب وشمال شرقي سوريا، وخلق فوضى تعرقل كل المساعي الرامية إلى حل الأزمة السورية، وإبقاء النزيف السوري، تماماً كما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من التمثيليات التي يحاول المسؤولون في البلدين تمثيلها، إيهام الرأي العام العالمي بأن هناك خلافات كبيرة بين وجهتي النظر التركية والأمريكية، وهما وجهتان ظهرتا متطابقتين تماماً، من خلال انسحاب القوات الأمريكية تمهيداً للهجوم التركي على الشمال السوري.
خلاصة القول: إن العدوان التركي على شمال سوريا لا يمثل تهديداً لبلد عربي وحسب، وإنما قد يشعل المنطقة من جديد، ويسمح بتفشي الإرهاب وعودة نشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، وعليه فإن تركيا مطالبة بشكل عاجل بوقف عملياتها العسكرية والانسحاب من الأراضي السورية، ووقف جرائمها بحق الشعب السوري، الذي زاد الغزو التركي من جراحه، وفاقم من مشكلاته الإنسانية، كما أن على المجتمع الدولي أن يحقق في الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري، ولا سيما استخدام الأسلحة المحرمة دولياً في بلاده، إن كان معنياً حقاً بالسلام في هذه المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"