تاريخ الحضارة كما يكتبه الأمريكيون

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

القاعدة التاريخية تقول، إن الإمبراطوريات الكبرى مثل البشر تولد وتنمو ثم تصل إلى ذروة قوتها وعنفوانها قبل أن يبدأ شبابها في الأفول انتهاء بالشيخوخة وصولاً إلى النهاية المحتومة لكل كائن حي. والإمبراطورية الأمريكية ليست ولن تكون استثناء من هذا القدر رغم أنها الأقوى والأغنى والأعظم منذ الإمبراطورية الرومانية بكل المقاييس السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وتراجع دور الولايات المتحدة عالمياً وانحسار نفوذها كقوة مهيمنة على العالم إحدى القضايا المطروحة دائماً بين المفكرين السياسيين الأمريكيين. والسؤال الذي يثيرونه هو «متى» وليس «هل» يمكن أن تتداعى الإمبراطورية. وقد أشرنا إلى جانب من هذا الحوار الأمريكي الأسبوع الماضي، وعرضنا ما أقر به بعض المنظرين السياسيين بشأن حتمية تراجع دور بلادهم كقوة عظمى مهيمنة، من هؤلاء فريد زكريا وهو أحد أهم الكتاب الذين يتبنون هذا الرأي.
يستدعي زكريا دروس التاريخ؛ ليثبت صحة قراءته للمستقبل. ومضمون فكرته أنه في القرون الخمسة الأخيرة شهد العالم ثلاثة تحولات هيكلية في القوة. الأول كان صعود بلدان الحضارة الغربية وهي عملية بدأت في القرن الخامس عشر وتسارعت في القرن الثامن عشر. التحول الثاني حدث في السنوات القريبة من القرن 19 وشهد صعود أمريكا التي أصبحت أعظم قوة في التاريخ. وتجسد الصعود الأمريكي في هيمنة شبه مطلقة على مجريات الأمور في العالم. المرحلة الثالثة والأخيرة هي التي يمر بها العالم حالياً ويمكن تسميتها بمرحلة بزوغ الآخرين. أي تلك القوى العالمية الصاعدة مثل الصين فضلاً عن روسيا.
السؤال المهم هنا هو، ما هي محصلة القيادة الأمريكية للعالم، أو ما هو تأثير هذه القيادة؟ الإجابة تصدى لها مفكر آخر هو روبرت كيجان المؤرخ والمحلل السياسي المعروف، الذي يصر دائماً على وصف النظام العالمي الحالي بالنظام العالمي الأمريكي. وهو يحدد ثلاثة تأثيرات إيجابية نتجت عن القيادة الأمريكية، هي الاستقرار الاقتصادي وانتشار الديمقراطية والسلام.
يشرح ذلك بقوله، إنه في القرون التي سبقت العام 1950 كان الناتج المحلي الإجمالي للعالم يرتفع بمعدل 1% سنوياً ثم أصبحت النسبة 4% بعد ذلك العام، ومن ثم خرج الملايين من دائرة الفقر. ولم يكن هذا ليتحقق، من وجهة نظره، بغير القيادة الأمريكية. يضيف أنه في ذروة الهيمنة الأمريكية حقق الاقتصاد العالمي أطول وأعظم مرحلة ازدهار في التاريخ وتحديداً من 1950 وحتى 2000 حيث بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للعالم 3,9% مقابل 1,6% سنوياً في الفترة من 1820 وحتى 1950 قبل ذلك كان المتوسط هو 0,3% من 1500 وحتى 1820.
هذا على المستوى الاقتصادي، أما سياسياً فإن المساهمة الأمريكية في انتشار الديمقراطية عالمياً أمر محسوم من وجهة نظر كيجان. ذلك أنه منذ ميلاد أمريكا في القرن الثامن عشر وحتى قرب نهاية القرن التاسع عشر لم يكن هناك سوى خمس دول فقط يمكن وصفها بالديمقراطية. ومع الصعود الأمريكي ارتفع الرقم إلى ما بين 20 و30 دولة بحلول 1950. وخلال الفترة من 1970 وحتى 1990 أصبح أكثر من نصف دول العالم إي 120 دولة تقريباً تصنف ديمقراطية. وحالياً فإن 40% من سكان العالم يعيشون في مجتمعات ديمقراطية.
أخيراً الفضل الأمريكي على استقرار الأمن والسلم العالميين لا يمكن إنكاره من وجهة نظر كيجان، الذي يرى أن القيادة الأمريكية نجحت في منع نشوب حرب عالمية ثالثة أو حروب دولية كبرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والسبب في ذلك ببساطة أن بلاده تقوم بدور شرطي العالم على أكمل وجه. قبل عصر الإمبراطورية الأمريكية كانت الحروب لا تتوقف بين القوى الكبرى وهذا ما لم يعد يحدث.
بفضل هذه النعم السياسية والاقتصادية العسكرية التي أغدقتها أمريكا على العالم لم يعد من الممكن الاستغناء عنها، وهذا ما يؤمن به كيجان وكثيرون، وهو ما سنلقي عليه الضوء الأسبوع المقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"