ترامب.. غيوم قادمة ورياح وافدة

02:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. مصطفى الفقي
انتهى عام 2016 بانتخاب الرئيس الأمريكي الجديد (دونالد ترامب) وبدأ عام 2017 بتنصيبه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، ولا أظن أننا في مسار حياتنا قد شهدنا جدلًا عنيفًا وتصريحات مطلقة ومواقف غير محسوبة مثلما رأينا في الشهور الأخيرة، ولقد كان عزاؤنا ولا يزال أن البداية دائمًا تشهد تصعيدًا عاليًا ولكن الجلوس في (المكتب البيضاوي) للبيت الأبيض يحيط به المستشارون وممثلو مؤسسات الدولة العظمى سوف يضع الرئيس الجديد في قالب مختلف يكون أكثر عقلانية وأقرب إلى الواقعية على اعتبار أن الحملة الانتخابية وما تلاها هي فترة (عنتريات) معتادة لكل قادم جديد، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فقراءة المشهد الأمريكي والدولي تشير إلى حملة اعتراض غير مسبوقة أمريكية وأوروبية ودولية لأن الرجل قد بدأ عهده بتقطيع أوصال العلاقات مع كثير من المؤسسات الأمريكية والدول الأوروبية بل والمجتمع الدولي كله، ومع ذلك فإن كل شيء قابل للترميم السياسي والإصلاح بفعل عامل الوقت وتأثير الزمن، وسوف تكون الممارسة الحقيقية للرئيس الأمريكي هي الفيصل في الحكم عليه أمام محكمة التاريخ التي لا ترحم مهما كانت الدوافع والمبررات، ويهمني هنا - كمواطن مصري - أن أسجل بعض الملاحظات المهمة في هذا السياق:

* أولاً: إننا لا نرى مبرراً للإفراط في التفاؤل وأيضاً لا للإفراط في التشاؤم، فالرواية تبدأ فصلها الأول ومن الصعب الحكم عليها من أول مشهد، قد يكون (ترامب) رئيساً متقلب المزاج حاد الطبع تنقصه الخبرة وتعوزه الحكمة، وقد يكون أيضاً رئيساً متوازناً لا يتحمس للتورط الأمريكي الدائم في كل صغيرة وكبيرة وينأى بواشنطن عن التورط الشبيه بما جرى لها في أفغانستان والعراق وقبلها فيتنام وكوريا، كما أن تركيزه على شعار أن (أمريكا أولاً) هو أمر يدعم وجوده في هذه المرحلة بعد عقود من اتساع الدور الأمريكي على امتداد القارات الخمس.

* ثانياً: لدي قلق استقر في ذهني عندما رأيت الرئيس المنتخب يتصل برئيسة (تايوان) ويحدث شرخاً في العلاقات الضخمة بين واشنطن وبكين، واندهشت أكثر للأزمة التي جرت بينه وبين الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية! وينبع خوفي على الرئيس الأمريكي الجديد من طبيعة نظام بلاده التي تسمح بتوجيه خبطات قانونية وأمنية لأي مسؤول كبير بحيث تكون الإطاحة به ممكنة بل وجائزة، فإذا لم يتمكن خصومه من إزاحته بالأساليب الديمقراطية فقد تلجأ بعض جماعات الضغط والقوى الخفية في المجتمع إلى المخرج الذي مارسته منذ أكثر من نصف قرن مع الرئيس الأمريكي الراحل (جون كنيدي) فعالم الجريمة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية مازال خفياً بل ومسكوتاً عنه.

* ثالثاً: لقد أصبح حلمًا مزعجًا ينتاب العالمين العربي والإسلامي أن يقدم الرئيس الأمريكي المغامر على إعلان (القدس) عاصمة ل «إسرائيل» في إطار ضجة إعلامية كبرى ربما تقترن بزيارة منه للقدس ليعلن فيها قراره بواحدة من أكبر جرائم العصر إذا حدثت، ونحن ندرك المؤثرات اليهودية حوله بدءاً من زوج ابنته إلى كبار مساعديه وصولاً إلى الالتزامات المتكررة التي أعلنها أثناء حملته الانتخابية تأكيدًا لالتزامه المطلق بحماية «إسرائيل» ودعم أمنها والحفاظ على سلامتها وسوف يكون موقف العرب حرجًا إذ سوف يكون من المؤسف أن يكونوا مضطرين لمهاجمته في وقت يسعون في قرارة أنفسهم لخطب وده ، سوف تكون معادلة صعبة وموقفاً شائكاً.

* رابعاً: إن الحرب على الإرهاب هي مشروعه الدولي ولقد صرح ترامب في أكثر من مناسبة وكرر ذلك قبل انتخابه وبعده وقبل تنصيبه وبعده بأن الحرب الشاملة على الإرهاب سوف تدفع به لأن يجتث جذوره من أنحاء العالم خصوصاً في أرض العالمين العربي والإسلامي إذ إن التنظيمات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» و«بيت المقدس» وغيرها سوف تكون هدفاً متاحاً له إذا صدقت نواياه، ولا شك أن هذا المشروع يعطيه بعض المصداقية أمام من لا يجازفون بالقيام بهذه المهمة الدولية الكبرى، فهي حرب طويلة وشرسة لأنك لا تواجه عدوًا واضحًا ولكن تواجه عدواً خفياً يعتمد على حرب العصابات. ولاشك أن الحرب على الإرهاب هي أمر يرضي مصر والمصريين لأنه يمثل المشكلة الكبرى في المنطقة كلها وما نفعله في سيناء ليس إلا حرباً مصرية على الإرهاب الوافد عليها.

*خامساً: لو أن ترامب تمكن من تمرير مشروع قانون يصدر عن الكونغرس الأمريكي يعتبر جماعة الإخوان المسلمين - باعتبارها الأم الشرعية لكل المنظمات الإسلامية المعتدلة أو المتطرفة أو الإرهابية - جماعة إرهابية فإنه يكون قد وجه لها ضربة قاضية تستهدف تجفيف المنابع وتجميد الأموال في البنوك وملاحقة القيادات في كل مكان بالعالم، وفي ظني أن دولة مثل فرنسا وربما بلجيكا قد تحذو حذوه، ولكن المؤكد هو أن المملكة المتحدة سوف تكون آخر دولة أوروبية تقبل بذلك وقد تشاركها ألمانيا ولو حتى إلى منتصف الطريق فقط، إنها معادلة صعبة وظروف معقدة وعالم متغير بين لحظة وأخرى.

دعنا نرقب ترامب ذلك الإنتاج الجديد للديمقراطية الأمريكية علنا نجد منه ما يخيب الظنون ويضعه في مصاف الرؤساء المؤثرين في التاريخ الحديث للولايات المتحدة وربما في تاريخ العالم كله.. إنه قادم جديد ليس له (كتالوج) ولكنه وصل لأعلى منصب تنفيذي في أكبر دولة معاصرة!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"