سماع الغناء من غير قصد

02:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
قال لي: احترنا في أمر علماء الدين فهم لا يتفقون على شيء، هذا يفتي وذاك يفتي ولا أحد منهم يشبه الآخر في فتواه، وإذا قلنا شيئاً من باب الاعتراض قالوا:

وكلهم من رسول الله ملتمس

             غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم

ومن هذه الأمور المحيرة أمر الغناء، إذ يوجد اليوم ما يسمى بالأناشيد الإسلامية، ينشدها المنشدون وهي مصحوبة بالموسيقى، وأحياناً بغمغمات غير واضحة لكنها تؤدي في النهاية إلى الإثارة والحماس.
يقول صاحبي: سألنا المشايخ فقالوا: الأناشيد المصحوبة بآلات الطرب مثل الكمنجة والعود والمزمار وغيرها محرمة، لكنها إذا كانت مصحوبة بمؤثرات صوتية فلا حرمة في ذلك، وهؤلاء دليل الحرمة عندهم قوله تعالى: «ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين» (الآية 6 من سورة لقمان).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «لهو الحديث الباطل والغناء»، وقال مجاهد: «اللهو الطبل» وقال الحسن البصري: «نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير».
ثم يقولون: بأن بعض آلات الطرب مثل الدف استثنى من الآية إذا استخدمته النساء في العرس والعيد وعند قدوم الغائب وهكذا.
أقول: إن الأناشيد في صدر الإسلام لم تكن سلعة تجارية مثل يومنا هذا، فما ورد في باب الجواز نشيد أو نشيدان، وكان عبارة عن بضع كلمات رددت في تلك المناسبة وربما كانت عفوية وكانت كلمات بريئة عفيفة وحسب إمكانات ذلك الوقت.
وما ورد في باب الحرام فهو ما كان يصدر من كفار قريش، وكانت كلمات مغرضة تستهدف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
إذن لا يقاس غناء اليوم على غناء أمس، ولا يقال: أناشيد إسلامية وأناشيد غير إسلامية طالما يتجر فيها، وفي نظري لا فرق بين أن تكون بموسيقى أو بغير موسيقى، لأنني علمت علم اليقين أن هذه الغمغمات التي تسمى بالمؤثرات الصوتية هي إيقاعات تطرب مثل صوت آلات الطرب، وتتبدل من لحن إلى لحن.
كما أن المنشدين اليوم وهم شباب يملكون أصواتاً جميلة مثل المغنين، يركبون أناشيدهم على ألحان معروفة خاصة بأغان معروفة، فالمنشد حين ينشد كلماته يتغنى بها وكأنه فلان المغني.
لكن الفارق أن المغني معروف بأنه مغن ومعه الفرقة الموسيقية بآلاتها، والفرقة تتألف من الرجال والنساء غالباً، أما المنشدون فيظهرون بأنهم حفظة القرآن أو أئمة مساجد أو أشخاص عاديون، وفرقهم رجالية بحتة أو نسائية بحتة وخاصة بحفلات النساء.
والمؤثرات عند المنشدين الملتزمين لا تظهر كآلات موسيقية بأشكالها وأصواتها بل هي أصوات وغمغمات تشبه في تأثيرها على السامعين أصوات تلك الآلات وتلك الأغاني، لأنهم في النهاية يؤدونها على وزن إيقاعات الأغاني المعروفة.
من أجل ذلك فإن علة التحريم والله تعالى أعلم ليست آلات معينة، بل كل مؤثر يحرك النفس والغريزة والشهوة، فهذا المؤثر قد يكون كلاماً وقد يكون صوتاً أو آلة، لذلك قال تعالى: «ليضل عن سبيل الله»، ولو كانت علة التحريم الآلة نفسها لما استثنيت في بعض المواقف، أو أريد بالتحريم عدم الإكثار من سماعها لأن اللهو إذا أطلق له العنان فتح عليك باباً يصعب إغلاقه.
وأما سماع الأغاني من غير قصد فلا شك بأنه لا يلحقك إثمه ومن فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى:
«أما السماع من دون قصد ولا إصغاء كسماع من يمشي في الطريق غناء آلات اللهو في الدكاكين أو ما يمر به من السيارات، ومن يأتيه وهو في بيته صوت الغناء من بيوت جيرانه من دون أن يستهويه ذلك فهذا مغلوب على أمره لا إثم عليه، وعليه أن ينصح بالحكمة للتخلص منه في حدود طاقته».

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"