معاقبة اللاجئين والدول المستضيفة!

03:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبيله إلى تنفيذ تهديده القاضي بوقف المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين، وهو ما يكشف عنه تجميد أداء التزام مالي أمريكي قيمته 125 مليون دولار في مطلع هذا العام 2018 نحو وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وهو مبلغ يعادل زهاء 30 في المئة من جملة التزامات أمريكا السنوية حيال أونروا.
الغريب في هذا الإجراء الذي ينتظر قراراً نهائياً من الرئيس، أنه يخلط بين السلطة الفلسطينية ككيان سياسي وبين وكالة تابعة للأمم المتحدة تؤدي دورها الإغاثي منذ العام 1949، وذلك للتخفيف من المأساة التي حلت باللاجئين باقتلاعهم من ديارهم بالتزامن مع إقامة الدولة العبرية على أرض فلسطين عام 1948. والقرار بالتالي يستهدف اللاجئين ويؤذيهم، ولا ينال من السلطة الفلسطينية وحيث لا تتبع الأونروا للسلطة بل للمنظمة الدولية والمجتمع الدولي. وبهذا فإن القرار الأمريكي ينال من الأمم المتحدة، ومن دورها المنوط بها في خدمة التعاون والسلام الدولي. وتضرب واشنطن بذلك مثلاً سيئاً لبقية الدول في العالم، بما يتعلق باحترام الأمم المتحدة والالتزامات حيالها، ومرجعيتها كأعلى هيئة دولية توافقت عليها دول العالم في أنحاء المعمورة.
«سنوفر بهذه الطريقة أموالنا». هكذا تحدث الرئيس ترامب، وكأن الأمر يتعلق بنفقات شركة، وليس بالتزام دولة عظمى تجاه المنظمة الدولية وحيال اللاجئين الذين نكبوا بسلب وطنهم، ثم بمعاناة اللجوء.
تدير وكالة أونروا عملياتها الصحية والتعليمية في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. وتعاني الوكالة منذ بضع سنوات عجزاً في ميزانيتها نظراً لارتفاع أكلاف المعيشة، ولمتابعة الوضع المأساوي لمخيمات اللاجئين في سوريا. وقد بلغ معدل العجز في السنوات الأربع الماضية نحو سبعين مليون دولار لكل سنة كما يفيد موقع الوكالة الإلكتروني. والى جانب الولايات المتحدة يقوم الاتحاد الأوروبي ودول أخرى منها دول خليجية بدعم ميزانية الوكالة. وإذا ما مضى الجانب الأمريكي في تنفيذ تهديداته لتشمل وكالة الأونروا، فذلك يعني معاقبة اللاجئين، بدلاً من معاقبة من تسبب بمأساتهم، وبدل تمكينهم من العودة إلى ديارهم. كما يعني الأمر معاقبة الدول المضيفة للاجئين وهي الأردن ولبنان وسوريا.
وخلال العقد الأخير سعت «تل أبيب» لنشر دعاية مضمونها أنه يتعين وقف خدمات أونروا وإنهاء عمل الوكالة، وتوطين اللاجئين حيث هم، لأن الغرض من استمرار وجود المخيمات هو حسب المزاعم الصهيونية غرض سياسي!. وبهذا فإن المخيمات تعتبر حسب التدليس الصهيوني اختراعاً عربياً لأسباب ودواعٍ سياسية، وليس نتيجة لتشريد شعب تزامناً مع إقامة دولة بالقوة وبتواطؤ استعماري على أرض هذا الشعب.
وإذا ما سار الرئيس ترامب مدفوعاً بنصائح مستشارين ومقربين، قُدُماً في وقف الدعم عن هذه الوكالة، فإنه يكون بذلك يتساوق مع المخطط الصهيوني الرامي لتصفية قضية اللاجئين في بُعدها الإغاثي والإنساني، ودون اكتفاء بالتصفية السياسية لقضية هؤلاء بحرمانهم من العودة إلى ديارهم الأصلية، علماً أن سائر الصراعات والحروب في عالمنا تنتهي وانتهت بعودة المشردين، أو على الأقل بفتح أبواب العودة الآمنة أمامهم، وهو ما يبدو غائباً عن تفكير البيت الأبيض الذي يجنح لتفسير الأزمات والحلول السياسية تفسيراً مالياً فحسب، ويقرنها بإجراءات مالية ضد بشر أبرياء لا غير!.
من المؤسف حقاً أنه بدلاً من اتخاذ إجراء صحيح بمراجعة القرار الأمريكي بخصوص القدس، وتصويب الخطأ الجسيم الذي لاقى أكبر اعتراض دولي شمل القارات الخمس، بدلاً من ذلك فإن سلسلة الأخطاء آخذة بالتناسل من الخطأ الأصلي وتزداد وتيرتها، وقد فسّرت دوائر الحكم في واشنطن الاعتراض الفلسطيني على القرار بخصوص القدس على أنه «ينمّ عن عدم احترام وتقدير لواشنطن» كما أوضح ذلك الرئيس ترامب وكأن رد الفعل الصحيح والمُنتظر كان أن يُعرب الفلسطينيون عن بهجتهم وعن شُكرهم لمن سلب القدس المحتلة منهم، وقام بتسميتها عاصمة لدول الاحتلال!.
والأغرب من ذلك الادعاء بأن الطرف الفلسطيني لا يرغب باستئناف التفاوض وبالتالي فإنه من الجائز والواجب معاقبة شعبه!. والصحيح والماثل أمام الأعين أن «تل أبيب» تجعل المفاوضات بلا معنى، مع إمعانها في الغزو الاستيطاني للأرض المحتلة وتقطيعها أوصال الضفة الغربية، ومع تنكيلها الدامي بالمحتجّين (تؤيد واشنطن الاحتجاجات الإيرانية، وتؤيّد في الوقت ذاته التنكيل «الإسرائيلي» بالمحتجين الفلسطينيين!). وبينما تصمت واشنطن عن الإجراءات الجسيمة الأحادية في الأرض المحتلة، فإنها تعتبر جملة هذه الظروف الشاذة والمنتهكة للمواثيق الدولية بأنها ظروف مناسبة وواجبة نحو التقدم للتفاوض، بما في ذلك حول القدس التي سمّاها البيت الأبيض عاصمة للمحتلين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"