هاجس الوقوف على حافة الحرب

04:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
يعيش العالم مع التصعيد الكلامي الخطير بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على إيقاع حرب مدمرة وعلى التهديد بها. وإذ يستبعد الكثيرون اللجوء إلى أسلحة دمار شامل من الجانبين، فثمة ما يتعين عدم إغفاله، فالأسلحة التقليدية قادرة على التسبب بدمار هائل وكوارث بشرية. وقد يكون استخدامها لا قدّر الله، معادلاً لاستخدام قنبلة ذرية صغيرة أو أكثر. فالدمار ليس منوطاً فقط بالأسلحة النووية، وذلك هو المحذور. إذ إن تفادي الوصول إلى حافة النهاية النووية، واستخدام أسلحة أقل فتكاً، لا يعني النجاة ولا يعكس حالة من الانضباط المزعوم. الدينامية السياسية والدبلوماسية هي وحدها التي تمثل طوق النجاة.
إن هناك أجواء حرب فعلية في أجواء شبه الجزيرة الكورية. ومن حسن الطالع أن المؤسسة العسكرية الأمريكية تبدو أقل اندفاعا نحو الحرب مقارنة بالقيادة السياسية في البيت الأبيض. فالوزير جيمس ماتيس يشدد على منح الفرصة للجهود الدبلوماسية وعلى تحبيذ الحلول السياسية التي بدأت تعطي بعض النتائج كما قال. ولم يتردد الوزير بالقول إن الحرب ستكون كارثية. أما في بيونج يانج فلا صوت يصدر إلى جانب صوت الزعيم كيم، فقرار الحرب والسلم بيده وحده، ولا تنفرج أساريره إلا لمرأى انبعاثات الدخان الكثيف من الصواريخ البالستية العابرة للقارات، المضيئة المنطلقة. ومن أسوأ ما قد يحدث أن يكتسب الصراع طابعاً «شخصياً» قائماً على التحدي بين الرئيس الأمريكي ترامب الذي يخوض تجاربه الأولى في عالم السياسة، وبين الشاب زعيم البلد الكوري الفقير الذي لا يجد شعبه ما يقتات به.
شيء من ذلك هو الذي يحدث، وتعبر عنه التهديدات العلنية المتبادلة بين الزعيمين، وبدء الإعلان عن اصطفافات في المواجهة المحتملة. من أهمها إعلان الصين بأنها ستقف إلى جانب جارتها الكورية إذا بدأت الولايات المتحدة الحرب. وهو تطور على جانب من الخطورة، فهي المرة الأولى التي تبدي فيها بكين استعدادها المبدئي لخوض الحرب مع الدولة العظمى والتي لا يمكن التكهن بنتائجها، وإن كانت الكارثة سوف تحيق بملايين البشر في حال الانزلاق إلى الحرب. فبالنسبة لبيونج يانج فإنها ستكون حربا وجودية (على الوجود) ولن تدخر هذه الدولة المعزولة جهداً في استعراض قوتها وممارسة هذه القوة. بما يعني أن أحداً لن ينجو منها في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيط الهادي وشرق آسيا، فيما التهديدات تطاول أمريكا نفسها.
إن تهديد الصين بدخول حرب محتملة، يعني تحول المواجهة إلى حرب عالمية مدمرة. ورغم أن هذه التطورات ما زالت في طور الارتسامات، والاحتمالات، فإن أي تقاعس عن مواصلة الجهود الدبلوماسية سيعني منح فرصة جدية للحرب حتى لو كانت قصيرة أو خاطفة، فالأسلحة المتطورة قادرة على إلحاق دمار واسع في غضون ساعات فقط من اشتعال الحرب، وليس خلال أيام. ويسترعي الانتباه أن الصين تحتج على محاولة تغيير الواقع السياسي من طرف الولايات المتحدة وحلفائها في تلك المنطقة. والرسالة الضمنية أن بكين لا يروق لها النظام في بيونج يانج، لكنها تعتبر أن حرباً من أهدافها نشوء نظام بديل يماشي أمريكا لن يكون مقبولاً، وسوف تحول دون نشوئه ولو بالتهديد بدخول الحرب، علماً أن الصين لا تهدد بالحرب لاستعادة تايوان التي تعتبرها جزءاً من أراضيها (من البر الصيني). لكنها لا تتوانى عن ذلك بخصوص كوريا الشمالية وذلك لأن الأخيرة تمتلك أسلحة دمار شامل تسهم في تحقيق توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة، بينما لا تمتلك تايوان وزناً عسكرياً.
بقرع طبول الحرب على هذا المستوى الخطير، فإن منطقتنا العربية لن تكون الوحيدة على مستوى العالم، التي تشتعل فيها حروب كبيرة وصغيرة. ستجد حروبنا ما يؤنسها في انتشار عدوى الحروب إلى مناطق واسعة من العالم، وسوف تتغذى حروبنا من سيادة منطق المواجهات المدمرة، وسوف ينشغل العالم بإطفاء الحرائق الكبيرة، وينحسر اهتمامه بمسلسل حروب منطقتنا. يقول المرء ذلك مع ما قد يتبادر إلى الأذهان عن الانفصال الجغرافي بين منطقتنا، وبين المسرح الحربي الآسيوي الأمريكي. لقد تواصلت الحروب في منطقتنا رغم حالة السلام التي كان ينعم بها العالم، فكيف ستكون عليه حال مسارح المواجهات في مشرقنا، لو تطايرت شرارات حرب مدمرة في منطقة واسعة أخرى من العالم.
الصين لا تهدد بالحرب لاستعادة تايوان التي تعتبرها جزءاً من أراضيها لكنها لا تتوانى عن ذلك بخصوص كوريا الشمالية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"