"من دون شروط مسبقة"

04:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

في عددها الصادر يوم 10/8/،2010 نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً، كتبه عكيفا إلدار بعنوان بين الطاعون والكوليرا، رأى فيه أن الرئيس محمود عباس سيضطر في الأيام المقبلة إلى أن يختار بين الطاعون والكوليرا موضحاً: أما الطاعون فهو الرضوخ لطلب الأمريكيين دخول المفاوضات بلا التزام مسبق في الاستمرار في تجميد البناء في المستوطنات مع الاستمرار في غض العين عن الإخلال بذلك، (وبغير تناول إسرائيلي للورقة الفلسطينية التي تفصل مواقفهم في القضايا الجوهرية) . . . وأما الكوليرا فهي رفض زعيم بلا دولة توجهاً شخصياً من رئيس أكبر قوة في العالم .

بعد عشرة أيام من نشر مقالة إلدار، اختار عباس الطاعون، ربما على أساس أنه أقل خطورة عليه من الكوليرا، فاستجاب للدعوة الأمريكية ودعوة اللجنة الرباعية، لبدء المفاوضات المباشرة في واشنطن، في الأول والثاني من أيلول/سبتمبر المقبل . لقد استجابت الدعوتان للأساس الذي حدده بنيامين نتنياهو، وتجاهلتا تماماً ما كان يسمى المطالب الفلسطينية .

فوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في دعوتها، عبر مؤتمر صحافي عقدته لهذه الغاية، شددت على عبارة من دون شروط مسبقة، وأطلقت بعض العبارات العمومية التي ما أسهل أن يتبين أنها لا تعني شيئاً، أو ما أسهل أن تسقط سهواً، أو عمداً، على الطريق . ولنتوقف قليلاً عند كلمات كلينتون: يجب أن تعقد هذه المحادثات من دون شروط مسبقة، وأن تتميز بالنية الحسنة والالتزام بنجاحها نتنياهو رحب باستئناف المفاوضات المباشرة، لكنه حرص أن يقول: إنه سعيد بالتوضيح الأمريكي بأن المفاوضات ستكون من دون شروط مسبقة . ولكن، ألا تشكك كلينتون بنوايا بعض المفاوضين عندما تتحدث عن النية الحسنة والالتزام؟ والسؤال: بمن تشكك كلينتون؟ بطبيعة الحال إنها توجه كلامها لعباس ولعريقات، فهما المشكوك في نواياهما، أما نتنياهو وليبرمان وأقرانهما فلا مجال للشك في نواياهم . ولأن كلينتون بخبرتها تعرف أن أعداء السلام سيحاولون تعطيل المحادثات، لخصت تلك الخبرة في نصيحة للمتفاوضين، فقالت: كانت هناك صعوبات في الماضي، وستكون هناك صعوبات أمامنا . أطالب الطرفين بالمثابرة ومواصلة المضي قدماً حتى في الأوقات الصعبة، ومواصلة العمل لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة . يجب المثابرة ومواصلة المضي قدماً مهما تكن الصعوبات . كأني بالسيدة كلينتون تقول: بديل المفاوضات إذا فشلت، مزيد من المفاوضات حتى تنجح، فالحياة تكمن في المفاوضات! ولا أدري من سرق من الآخر حكمته: السيدة كلينتون أم السيد عريقات!

في الجانب الآخر، ليس من حاجة للتوقف عند اجتماع اللجنة التنفيذية لمنطمة التحرير، فهذه اللجنة ماتت هي وكل أخواتها منذ زمن (في حادث مفاوضات) . لكن لا بد من التوقف للسؤال عما حدث للمطالب التي كاد البعض أن يصدق أنها الحد الأدنى الذي لن يكون من السهولة على أحد تجاوزه . فماذا جرى للمرجعيات؟ اللجنة الرباعية، التي جعلت منها السلطة الفلسطينية مرجعية لحل الصراع العربي- الصهيوني، لم تتجرأ لتعلن في دعوتها، مثلاً، أنها تتمسك ببيان موسكو، فتذكر شيئاً عن تجميد الأنشطة الاستيطانية، التي تحولت بالتأويل إلى أعمال استفزازية لكنها جاءت في سياق دعوة الطرفين إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس والامتناع عن أي عمل استفزازي، وعند الحديث عن الدولة لم تتجاوز ما كان قاله الرئيس جورج دبليو بوش عن هذه الدولة، فلم تذكر شيئاً عن القدس الشرقية المحتلة . ما فعلته اللجنة الرباعية أنها أشارت إلى استمرار سريان بياناتها السابقة . . . التي تقول إن المفاوضات المباشرة لحل كل القضايا العالقة بشأن الوضع النهائي يجب أن تؤدي إلى تسوية عن طريق التفاوض بين الأطراف، تضع حداً للاحتلال الذي يرجع إلى العام 1967 وتسفر عن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ديمقراطية وقابلة للحياة تعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل . . . . هل تكفي عبارة المفاوضات لحل كل القضايا العالقة فعلاً لحل تلك القضايا، أم أنها في الأصل ليست معنية بالحل بل بالمفاوضات ؟ هل يكفي تأكيد سريان بيانات اللجنة الرباعية السابقة، مثلاً، لإسقاط كل اللاءات الإسرائيلية حول الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات؟

ومما انطوت عليه العودة إلى المفاوضات المباشرة ويدعو إلى السخرية فعلاً، أن اللجنة الرباعية كانت حددت مدة عامين للوصول إلى تسوية نهائية وحل كل قضايا (الوضع النهائي) المعلقة، لكنها عادت فوعدت، أو تصورت وتصورت معها الولايات المتحدة أيضاً، أن حل تلك القضايا والتوصل إلى الحل يمكن أن يتحقق خلال عام واحد . ولا حاجة للقول إنه كانت هناك إمكانية نظرية، من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 أن يتوافر، قبل أكثر من أربعين عاماً، حل خلال شهر أو ليكن خلال عام واحد . أما أن يقال ذلك الآن، فهذا دليل جديد آخر على عبثية وعدم جدية ما يقال .

لم تعد السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات المباشرة لأن شيئاً في المواقف أو النوايا أو المخططات التوسعية الإسرائيلية قد تغير، أو لأن شيئاً تغير في المواقف أو النوايا أو المخططات الأمريكية المنحازة للعدو الصهيوني، أو لأن اللجنة الرباعية أصبحت أكثر قدرة أو نزاهة في الدور المتواطئ والمشبوه الذي تقوم به خدمة للمخططات الأمريكية- الصهيونية، بل عادت لأنها لم تكن مخيرة، بل كانت مجبرة على العودة بعد أن جردت نفسها من كل سلاح ممكن، ولهذا تحديداً عادت من دون شروط مسبقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"