عربية عصرية عامة

05:32 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

كيف يتعامل القائمون على الخطاب الإعلامي مع تحديات استخدامات اللغة العربية في العصر الرقمي؟ السؤال لا يزال مطروحاً خصوصاً مع ظهور ما يعرف ب «اللغة العربية العصرية العامة» والتي يتم من خلالها مزج الفصيح بالعامي والمحلي، أو استخدام الحروف الأجنبية في أسوأ الحالات، وهو ما ساهمت به وسائل الإعلام المختلفة انصياعاً لثقافة ترجح المرئي على المقروء، ويمكن وصف الأمر «بالتخبط» إذ إنه وحتى الآن تسيطر الصورة النمطية المتناقلة منذ عقود عن عدم صلاح اللغة العربية للتعامل مع متغيرات العصر، والشكل الجديد لجمهور شديد التنوع يحدد سماته جيل الألفية، والذي يشكل أغلبية عظمى من المتابعين المتطلبين.
كما أن المفارقة الكبرى تكمن في اللعب بين خصمين، أحدهما رسمي يعمل كمقياس لأداء الجهات الرسمية والحكومات، وهو يتحدث بلغة محايدة شبه فصيحة عجزت أن تتحول إلى جماهيرية، فهي حبيسة الشاشات وتكاد لا تتجاوز الآذان، وأخرى عامية أقرب لمحلية المتلقي أين ما كان، لكنها لا تشبع معايير الخبر وأخلاقياته، وهي بالتالي تزيد من حدة المأزق اللغوي. لينتهي الأمر أخيراً وفي ظل غياب مرجعية لغوية موحدة لوسائل الإعلام العربية، إلى انفراد كل مؤسسة بدليلها الداخلي، والذي تم تصميمه وفق صيغة هي الأكثر فعالية.
أما في الفضاء الرقمي فهناك صيغ غير واضحة المعالم حتى الآن في معظم ما تقدمه وسائل الإعلام، إذ إن هناك شروطاً مسبقة تحددها سوق لا تعرف من المحتوى سوى قيمته المادية، ضمن مضاربات تستهدف المستهلك، فكل كلمة تكتب هي مشروع كلمة مفتاحية جاذبة لقوى شرائية مفترضة. كما تلعب محركات البحث الكبرى اليوم الدور الأكبر في تحديد العناوين الرئيسية للأخبار، وعدد الفقرات والكلمات، ومعايير النص المستخدم ومساحته مقارنة بالمساحة المتروكة للعنصر المرئي وهو الأكبر بطبيعة الحال، ما يجذب القنوات والصحف والمجلات رغماً عنها، إلى ميدان تنافسية حام، تسبب في إغلاق الكثير منها حول العالم.
إن الشروط الرقمية الجديدة، تخنق اللغة العربية التي ألفناها، فلا مجال كبير للشعرية اللغوية هنا، ولكن للأكثر لفتاً للانتباه وتأثيراً على المشتري، وهي الطريقة الأكثر نجاعة لزيادة نسبة الاشتراكات السنوية في خدمات إخبارية، تنافسها شركات رقمية كبرى، هي صانعة للمنتج حامل المحتوى تحولت إلى متحكمة بشروطه بمرور الوقت، دون أن ننسى الخوارزميات وتحديثاتها اللانهائية وما تحدثه هي الأخرى من هزات في القطاعات المختلفة، حسب مزاج الأرقام.
أخرج لنا كل ما سبق إعلاميين بمواصفات «عامة» يمكن أن يسحب من تحت أقدامهم بساط المهنة عند أي فشل في مواكبة التحديثات، والمعايير المهنية الجديدة التي تفرض معرفة أكثر من لغة للترجمة والتحرير وتحليل البيانات، إضافة إلى تحدٍ أخير يرتبط بما تبشر به تقنيات الذكاء الاصطناعي، لاكتساح مجال طالما هيمن عليه الإنسان، وهو مجال الكلمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"