هدايا ترامب الملغومة لـ«إسرائيل»

02:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في لقاء مع مجموعة من اليهود الأمريكيين قبل أسابيع تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متهكماً عن إجراءات محاكمته قائلاً: إنه إذا ساءت الأمور سيسافر إلى «إسرائيل»، وهناك يضمن الفوز برئاسة الوزراء. دعابة ترامب تشير إلى شعبيته الجارفة في «إسرائيل» وهي حقيقة يؤكدها استطلاع أجري العام الماضي وأظهر أن 69% من «الإسرائيليين» يؤيدونه وهي نسبة لا يحظى بها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نفسه ولا يتمتع بها ترامب بين مواطنيه.
أسباب عشق «الإسرائيليين» لترامب معروفة، فقد قدم لهم ما لم يقدمه رئيس أمريكي آخر، لاسيما هداياه الإستراتيجية وأهمها الاعتراف بالقدس عاصمة «لإسرائيل» ونقل سفارة بلاده إليها، والاعتراف بالسيادة «الإسرائيلية» على الجولان. وأخيراً اعتبار المستوطنات في الضفة غير مخالفة للقانون الدولي.
في ظل هذا السخاء، ليس طبيعياً أن ترتفع أصوات «إسرائيلية» تنتقد ترامب أو تشكك في إخلاصه. إلا أن هناك بالفعل تياراً مهماً من السياسيين والصحفيين يرون أن مجمل سياسات ترامب لا تصب في النهاية في صالح «إسرائيل»، وأن أضرارها أكبر من منافعها على المدى البعيد. وقد نشرت صحيفة «هآرتس» ملفاً كاملاً الأسبوع الماضي يتبنّي هذا الرأي.
لا يتسع المجال لعرض الملف المكون من أربعة تقارير كبيرة، إلا أنه يمكن الإشارة سريعاً إلى أهم ما احتواه. جاء التقرير الأول تحت عنوان «الإسرائيليون» يحبون ترامب.. ليسوا أول من خدعتهم وعوده الزائفة». ويرى أن الرهان على ولاء ترامب غير مضمون، إذا أعيد انتخابه لأنه لن يكون مضطراً لاسترضاء المسيحيين الإنجليكيين المؤيدين للدولة العبرية والذين يشكلون الكتلة الانتخابية الصلبة الداعمة له.
يضاعف من عدم ثقة «الإسرائيليين» في ترامب معرفتهم الجيدة لطبيعته المتقلبة واستعداده لتغيير مواقفه إلى النقيض. ويعرفون أيضاً ولعه المرضي بنظرية المؤامرة ومشاعر الكراهية المتأصلة بداخله تجاه أي فئة أو جماعة يفقد ثقته فيها. ولا يوجد بالطبع ما يمنع أن يكون اليهود ضمن هؤلاء في لحظة ما، لا سيما مع ميله للاقتناع بالصور النمطية الشائعة ومنها أن اليهود يتآمرون سراً للتأثير على الأحداث العالمية. والكلام للصحيفة «الإسرائيلية».
ويرى التقرير أن تراجع الدور الأمريكي إقليمياً وعالمياً أعطى روسيا والصين مساحة أكبر للتمدد وهذا ليس في صالح «إسرائيل». ومن هذه النقطة ينطلق التقرير الثاني الذي يحمل عنواناً مهماً هو: «ترامب يقوض العلاقات «الإسرائيلية»- الأمريكية» حيث يرى كاتبه أن مجمل سياساته الخارجية تشكل بيئة إقليمية ودولية أقل استقراراً وأمناً بالنسبة ل«إسرائيل».
وبالنسبة للقضية الفلسطينية يرى أن الاعتراف بشرعية الاستيطان وبالتالي منح «إسرائيل» الضوء الأخضر لضم الضفة ليس في صالحها على المدى البعيد. بل سيكون مضراً للغاية على مستوى تركيبتها السكانية كدولة يهودية ديمقراطية. كما أن ضم الضفة يعني انهيار التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية. ولن يكون من السهل مستقبلاً استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين الذين اعتبروا أن أمريكا لم تعد وسيطاً نزيهاً وهذا أيضاً ليس في صالح «إسرائيل».
التهديد الإيراني هو محور التقرير الثالث ويعتبره أحد أهم أسباب الإحباط «الإسرائيلي» من ترامب، بسبب التغير المثير للقلق في موقفه من طهران وإحجامه عن الرد على اعتداءاتها ومنها إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار وضرب منشآت نفطية سعودية. الأسوأ أنه عرض لقاء الرئيس الإيراني. ومثل سلفه باراك أوباما يرفض ترامب التورط في حروب خارجية وهذا يعني أن هدف «إسرائيل» بضرب المنشآت النووية الإيرانية لن يتحقق.
كل هذا يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين وهو محور التقرير الأخير والذي لا يستبعد لجوء «إسرائيل» إلى العمل بمفردها بعيداً عن شريكها الاستراتيجي بعد أن اهتزت ثقتها فيه. فإذا كان قد تخلى عن الأكراد، فما المانع أن يتخلى عنها أيضاً. وترى «إسرائيل» أن بمقدورها الاستغناء عن الدعم العسكري الأمريكي وقيمته 3,8 مليار دولار سنوياً ولكن ليس الآن بل مستقبلاً.
أما الدعم السياسي فإن الاستغناء عنه أسهل بما في ذلك «الفيتو» الأمريكي في مجلس الأمن. وعلى حد قول الصحيفة فقد سبق ل«إسرائيل» أن تجاهلت قرارات دولية عدة ولن يضيرها أن تستخف بالمزيد منها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"