القاهرة قبل أسابيع من “الجمهورية الثانية”

04:12 صباحا
قراءة 4 دقائق

من يزُر القاهرة هذه الأيام يتلق أول ما يتلقى دعوة من الأصدقاء المصريين للنزول الى ميدان التحرير يوم الجمعة (أيّاً كان تاريخ يوم الجمعة) لمعاينة المليونية ،التي يتجمع أفرادها وجماعاتها قبل صلاة الجمعة ويواصلون بقاءهم في الميدان حتى ساعات متأخرة من الليل . وهو ما فعله كاتب هذه السطور في الجمعة الأخيرة . وبينما تتجمع الكتلة الأكبر في الميدان، فإن الشوارع المتفرعة من المكان والموصلة اليه تشهد مسيرات متعددة بأعداد ليست كبيرة تضم بضع مئات من المحتجين، لكن اختلاط السابلة والفضوليين بهم يجعل العدد يبدو أكبر .

من النظرة الأولى والاستماع لأول الشعارات والكلمات عبر الميكروفونات واليافطات، فإن الجمهور المحتشد يبدو بوضوح منقسماً الى سلفيين وغير سلفيين . الصحفي في الأهرام وفي وكالة رويترز سعد القرش، يقول إن القوى السياسية تنسق ما بينها عادةً، فتنظم مواعيد خروج الجماعات السياسية والحزبية الى الميدان، وتُخلي بقية القوى الميدان لإفساح المجال لمن يقع عليه الدور . هكذا أتيح للسلفيين التجمع يوم الجمعة 13 إبريل/ نيسان، على أن يكون يوم 20 من الشهر نفسه مخصصاً للقوى الثورية والمستقلين، فلما لم يحرز السلفيون، يقول القرش، نجاحاً يذكر في التجمع، وفي استقطاب الجمهور المستقل، فقد قام هذا التيار بمزاحمة القوى الثورية هذا الأسبوع .

وبعيداً عن هذا التوزيع للنشاطات، فقد كانت الشعارات شبه موحدة في الميدان والشوارع المحيطة، فهي تندد بحكم العسكر ، بما في ذلك مسيرة نسائية برزت فيها الكاتبة نوال السعداوي التي ما زالت ناشطة، مع حملة تميز بها السلفيون على من يعتبرونهم مرشحي الفلول وهما: أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، وعمرو موسى الذي شغل منصب وزير الخارجية في تسعينات القرن الماضي . مع تواجد ملحوظ لمحتجين رجالا ونساء من خارج القاهرة: السويس، مرسى مطروح، طنطا ،الشرقية وأماكن أخرى . . ومع ذلك فإن متابعين للحملة الانتخابية الرئاسية في أوساط الإعلاميين، يرون أن خروج عشرة مرشحين للرئاسة أبرزهم خيرت الشاطر وعمر سليمان وحازم ابو اسماعيل، قد حصر فرص التنافس الجدي بين محمد مرسي مرشح الإخوان وعبدالمنعم ابو الفتوح، أمين عام اتحاد الأطباء العرب السابق، الإسلامي الذي خرج عن قرار الإخوان، وعمرو موسى الذي أطلق حملته وبرنامجه الانتخابي الأربعاء الماضي في منطقة شعبية شرقي القاهرة .

الأعداد تقارب نصف مليون محتج والاحتكاكات خفيفة بينهم، ومع فارق ارتفاع النبرة فإن ميدان التحرير بمنصاته المتعددة وبحلقاته الكثيرة يبدو أشبه بهايد بارك مفتوح، على أن المكان ليس مغلقاً بل يتصل بالشوارع المحيطة، وهناك باعة ثابتون ومتجولون، وهناك أيضا شبّان يقيمون حواجز بشرية للتدقيق السريع في سحنات الداخلين، وليس في هوياتهم . والغائب الأكبر هم رجال الشرطة بملابسهم الصيفية البيضاء، فهؤلاء لا وجود لهم، وليس معلوماً إن كان هناك رجال أمن بالزي المدني، وإن كان ذلك مستبعداً، فالمحتجون على درجة من التوتر الكامن الذي يكفي أي احتكاك لانفجاره . ويفسر القاص سعيد الكفراوي هذا الغياب أو الانسحاب، بالرغبة في تفادي أي احتكاك وحرص السلطات على عدم تحمل أية مسؤولية عن أي خلل أمني قد يقع، ولحُسن الطالع وحُسن التدبير فليست هناك احتكاكات تذكر سوى حوادث صغيرة متفرقة كأن تعبر سيارة خاصة يقودها سلفي، وتضم في داخلها سلفيين شارعاً فرعياً يشهد تجمعاً للقوى الثورية، وهو ما حدث عصر الجمعة الأخيرة أمام مقهى زهرة البستان، وقد تم احتواء الخلاف ونجت السيارة الصغيرة بركابها الثلاثة، بعد أن تيقن المحتجون أن عبور السيارة كان عرضياً، ولم يكن مقصوداً به اختراق التجمع .

الانتخابات الرئاسية مقررة يوم 12 حزيران/ يونيو وتستمر يومين، والمجلس العسكري الحاكم يواصل إطلاق تعهده بتسليم السلطة الى رئيس مدني منتخب يوم 30 من الشهر نفسه، وهو ما يشكك به رغم ذلك بعض المتابعين للوضع من الداخل، أولاً لصعوبة تشكيل لجنة بديلة لوضع دستور جديد، ثم لصعوبة إنجاز مهمتها في الوقت القصير المتبقي، مع ما يراه آخرون من سبب ثالث يتعلق بما يعتبرونه حرص المؤسسة العسكرية على ضمان حقوق أو امتيازات خاصة بها تُدرج بين بنود الدستور المزمع . يضاف الى هذه البلبلة احتجاجات متواصلة للسلفيين خصوصاً، على استبعاد مرشحهم حازم أبو اسماعيل من قائمة المنافسين، واحتجاجات للقضاة على ما يعتبرونه ضغوطاً شعبية عليهم، تعرقل حتى دخولهم وخروجهم الى مقار أعمالهم .

خلافاً لمظاهر الاحتجاج، فإن أبرز ما يلمسه زائر القاهرة هو ارتفاع الروح المعنوية لدى المواطنين واستعادتهم الثقة بالنفس، وما باتوا يتسمون به من تسيّس وانشغال موصول وحار بالشأن العام، والتراجع الكبير للاهتمام الشعبي بالكورة، ومع هذه المظاهر الإيجابية فإن إيقاع الحياة اليومية ما زال يتسم بقدر من الفوضى والعشوائية، وارتفاع أسعار الخدمات والنقص في أعداد السياح العرب والأجانب ( في القاهرة على الأقل)، وقد عمدت العديد من المرافق والمحلات التجارية الكائنة على مقربة من ميدان التحرير الى إغلاق ابوابها، بعد التقلص الكبير في حضور قوى الأمن . . وبانتظار ما سوف يسفر عنه هذا المخاض الصاخب، المتقاطع ومتعدد المستويات، بعد عشرة أسابيع من أيامنا هذه، استعداداً لنشوء الجمهورية الثانية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"