أزمة أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي

04:25 صباحا
قراءة 5 دقائق

إن أكثر قرارات الاتحاد الأوروبي أهمية هذا الخريف يتعلق باتخاذ القرار بشأن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع أوكرانيا في إطار قمة الاتحاد الأوروبي في فيلنيوس في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني . وسوف يتوقف الأمر على ما إذا كان الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش سوف يستوفي شرطاً بالغ الأهمية: العفو الكامل عن السجينة السياسية ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو .

تقضي اتفاقية الشراكة التي تتألف من 1200 صفحة، بإلغاء كل التعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السلع الأوكرانية، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في الأمد البعيد بنسبة تقدر بنحو 12% . وسوف تؤسس الاتفاقية أيضاً خطة إصلاح سياسية واقتصادية وقانونية للبلاد، بدعم من نحو ستين من الهيئات الحكومية في بلدان الاتحاد الأوروبي .

وبرغم أن اتفاقية الشراكة لا تؤدي تلقائياً إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنها تشكل خطوة مهمة في ذلك الاتجاه . وبموجب معاهدة روما، فإن أوكرانيا مؤهلة باعتبارها دولة أوروبية كعضو محتمل في الاتحاد الأوروبي . ولكنها لابد أن تلبي معايير كوبنهاغن التي أقرها الاتحاد الأوروبي في عام ،1993 والتي تحدد المعايير الأساسية للدخول .

وتلبي الدولة المرشحة معايير كوبنهاغن عندما تحقق استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام وحماية الأقليات؛ ويصبح بوسعها ضمان وجود اقتصاد السوق الفعّال والقدرة على التعامل مع المنافسة وقوى السوق؛ وتتمتع بالقدرة الإدارية والمؤسسية الكافية لتبني وتنفيذ قانون الاتحاد الأوروبي، التعهد باحترام التزامات العضوية . والطريق لا يزال طويلاً أمام أوكرانيا قبل أن تحقق كل هذا، ولكن التوقيع على اتفاقية الشراكة من شأنه أن يمهد الطريق إلى محادثات الانضمام، في حين يساعد أيضاً على خلق فرص اقتصادية هائلة .

والبديل بالنسبة لأوكرانيا هو الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الذي تهيمن عليه روسيا والذي يضم بيلاروسيا وكازاخستان . وسوف تتطلب العضوية التزام أوكرانيا بمضاعفة التعريفات الجمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي، بتكاليف سنوية تعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ولن يضمن لها ذلك التجارة الحرة بين أعضاء الاتحاد (تطبق روسيا بالفعل عقوبات تجارية ضد بيلاروسيا وكازاخستان) . وبالتالي فإن الاتحاد الجمركي يبدو أكثر قليلاً من مغامرة إمبراطورية روسية جديدة .

ومن غير المستغرب أن يكرر يانوكوفيتش باستمرار الحديث عن تفضيله لاتفاقية الشراكة . فمستقبله السياسي قد يعتمد عليها . ويؤكد مستشاروه واستطلاعات الرأي الأخيرة أن فشله في التوقيع على الاتفاق يعني خسارته في الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار 2015 .

والواقع أن الحسابات الانتخابية صارخة . ففي حين قد يفضل 40% من الأوكرانيين، المقيمين أساساً في معقل يانوكوفيتش الانتخابي في شرقي وجنوبي البلاد، الانضمام إلى الاتحاد الجمركي، فإن 60% من الناخبين يرون مستقبلهم مع أو داخل الاتحاد الأوروبي . وحتى إذا لجأ إلى التزوير الانتخابات على نطاق واسع (وهو ما لن يجعله شخصاً مقبولاً في بروكسل)، فإن يانوكوفيتش لن يفوز بأغلبية إلا بشق الأنفس .

ولا يحتاج يانوكوفيتش إلى استمالة الأصوات المتأرجحة فحسب . فالنخبة القوية من أنصار حكم القِلة تنظر أيضاً باتجاه الغرب وليس الشرق لتعزيز أعماله التجارية . وقد سئم كثيرون الفرض التعسفي للحواجز التجارية التي تؤثر في سلع تتراوح بين الشوكولاته والأنابيب الفولاذية في أسواقهم السوفييتية السابقة . أما أسواق الاتحاد الأوروبي فهي على النقيض من ذلك تعتبر أكبر حجماً، بل وأكثر أماناً .

ومن المؤكد أن التدخلات من قِبَل موسكو ساعدت على تركيز العقول في كييف . فقد كانت الحرب التجارية الوجيزة التي شنتها روسيا في أغسطس/آب سبباً في إفزاع يانوكوفيتش إلى الحد الذي دفعه إلى التعهد بتلبية أحد عشر من الشروط القانونية والسياسية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي . وهذا يتطلب أن تسارع أوكرانيا إلى إصلاح نظامها القضائي ومؤسسات إنفاذ القانون، وأن تضمن قدراً أعظم من الالتزام بالقواعد الديمقراطية . وحالياً، يدرس البرلمان خمسة عشر مشروع قانون لترسيخ هذه الأسس، وكل هذه المشاريع تحظى بالدعم الكامل من أحزاب المعارضة الرئيسية .

ولكن تلبية يانوكوفيتش لمطالبة الاتحاد الأوروبي له بإصدار قرار بالعفو عن تيموشينكو التي خسرت الانتخابات الرئاسية في عام 2010 بهامش ضئيل، قد تكون أشد صعوبة . فقد تم إلقاء القبض على تيموشينكو في أغسطس/آب ،2011 وبعد ما اعتُبِر على نطاق واسع محاكمة صورية، صدر الحكم ضدها بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة إساءة استغلال السلطة (ولو أنها لم تتهم بتحقيق استفادة شخصية) في إبرام صفقة للغاز الطبيعي مع روسيا في عام 2009 .

وقد تقدمت لجنة معينة من قِبَل الاتحاد الأوروبي وتضم الرئيس البولندي السابق ألكسندر كفاسنيفسكي ورئيس البرلمان الأوروبي السابق بات كوكس باقتراح بحل هذه المعضلة . فبطلب من اللجنة، يصدر يانوكوفيتش قراراً بالعفو عن تيموشينكو، والسماح لها بالسفر إلى ألمانيا لأسباب طبية .

وقد قبلت تيموشينكو الاتفاق؛ ولكن يانوكوفيتش رفضه . فهو يريد بدلاً من قرار العفو الحصول على موافقة البرلمان على قانون يسمح لتيموشينكو بالذهاب إلى ألمانيا للعلاج، ولكن شريطة أن تستكمل مدة عقوبتها بالسجن في حال عودتها إلى أوكرانيا .

ويقول الاتحاد الأوروبي إن هذه الشروط غير مقبولة . ذلك أن الإذعان لسجن تيموشينكو سياسياً ينافي أسس المعايير القانونية والديمقراطية التي يدعي الاتحاد الأوروبي أنه يمثلها . وأي إصلاح قانوني لاحق في أوكرانيا سوف يبدو فارغاً من مضمونه .

ويرى البعض أن الاتحاد الأوروبي لابد أن يخفف من شروطه: فلا ينبغي لمسألة تتعلق بشخص واحد، برغم أهميته، أن تحول دون تحقيق أوكرانيا لهدفها في مستقبل أفضل . ولكن بعيداً عن كون هذه القضية مسألة منفردة، فإن حالة تيموشينكو تكشف عن خلل أكثر عمقاً . فحتى الآن، يحاول تيموشينكو تعديل القواعد الضريبية من أجل تنحية فيتالي كليتشكو الذي يتمتع بشعبية كبيرة، والذي كان بطلاً في رياضة الملاكمة ومقيماً في ألمانيا سابقاً، ومنعه من التأهل للترشح لمنصب الرئيس . والواقع أن ما تتسم به أوكرانيا في عهد يانوكوفيتش من فساد وغياب القانون لابد أن يحفز الاتحاد الأوروبي على التمسك بنص وروح شروطها .

إن الوقت ليس في مصلحة يانوكوفيتش . فسوف يصدر مجلس الوزراء الأوروبي قراره النهائي في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني . وإذا لم يكن يانوكوفيتش قد أصدر قراره بالعفو عن تيموشينكو حتى ذلك الوقت، فبوسع الاتحاد الأوروبي، كما اقترح عضو البرلمان الأوروبي عن بولندا جاسيك ساريوز ولسكي، أن ينتظر حتى يأتي رئيس أوكراني يعلي قيم الاتحاد الأوروبي . وبهذا يكون يانوكوفيتش هو الذي يحول دون أوكرانيا والطريق إلى مستقبل أفضل .

#183; كبير زملاء معهد بيترسون للاقتصاد الدولي

#183; والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب