عادي
أفق

العودة إلى التراث الشفهي

02:58 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف سيكون حال الأدب العالمي لو طرحنا منه التراث بكل ما يحمل من رموز أسطورية وحكايات شعبية ودواوين وأشعار وسرد شفاهي وتاريخي؟

يمكن الجزم بأن النتيجة لن تكون في صالح تفوق الأدب وانتعاش حركته وسيرورته في وجدان الشعوب .

مما لا شك فيه أن التراث هو وعاء معرفي خصب، ومن دونه لا يمكن لأي أديب أن يكتب بحرارة العارف وأن يتلمس الراهن ويستشف أمر المستقبل أو يحدس به، التراث نافذة على الطفولة، التي هي قرين الصدق والعفوية، ولنتخيل كيف ستكون رواية مائة عام من العزلة وكذلك الحب في زمن الكوليرا لماركيز من دون هذه الجرعة من المرويات الشعبية، التي يقول النقاد إن ماركيز لم يكن قادراً على خلق عوالمها السحرية لو أنه لم يفهم مكونات وعناصر التراث الشعبي وأغاني وتطلعات وحنين المحرومين والمهمشين .

يوصف ماركيز بأنه كاتب جاد لكنّه كاتب شعبي على غرار تشارلز ديكنز وفيكتور هوغو وأرنست همنغواي وسلسلة كبيرة من مشاهير كتّاب العالم .

إن التراث هو حاضنة الرموز والأمكنة والتحولات، وهو خريطة المعنى وديوان الخيال المتجدد الذي يلهم الإبداع ويوثق الزمن وينظف الحاضر من أدران التعالي والغرور، وهو عمق الأشياء وشرارة تشوّفها لانكشاف المرايا .

لنتخيل الذاكرة الإنسانية من دون هذا التراث الكبير، لنتخيل الذاكرة الفلسطينية -التي تُسرق- من دون الأهازيج والأثواب والمطرزات والدلعونا والعتابا ومن دون تلك الرقصات الشعبية التي تأسر الألباب .

عودة الأديب إلى منابع تراثه القديم هي عودة إلى مصادر الإلهام الروحي، تنعش الذاكرة وتوقظ الوعي -حين تشحذ لاوعي كاتبها- بأيقونات لم تخطر على بال أحد، وهي عودة لا شك فيها إلى الأصالة، وهي بحث دائب عن الخبرة التي تعيد التوازن والصفاء الروحي لكل من المبدع والمتلقي، فتحفز في كليهما اكتشاف الأصل بعد أن عاث الواقع مرارة والماً وحزناً وخراباً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"